ارشيف من : 2005-2008

حلب عاصمة الثقافة الإسلامية:تاريخ عابقٌ بالتراث والأصالة ـ1ـ

حلب عاصمة الثقافة الإسلامية:تاريخ عابقٌ بالتراث والأصالة ـ1ـ

إذا كان ياقوت الحموي في "معجم البلدان" اعتبر "ان الله خص حلب بالبركة وفضّلها على جميع البلدان" فإن إعلان حلب عاصمة للثقافة الإسلامية جاء باحتفالياته وأنشطته وندواته ومحاضراته ليضيء جوانب كانت مخفية في مسيرة هذه المدينة الإسلامية العريقة.‏

فمدينة سيف الدولة الحمداني أو مدينة المتنبي أبي فراس الحمداني لم تولَ الأهمية التي تستحقها بين مدائن العالم الإسلامي, بل ومدائن العالم التراثية والحضارية حتى جاء أحد خبراء اليونسكو فوصفها في تقريره إلى المنظمة المذكورة: "نظراً لجمال مدينة حلب المعماري الذي حافظت عليه عبر العصور فإنها تستحق الاعتبار الذي لمدن البندقية وفلورنسة، يجعلها جزءاً من التراث الثقافي العالمي الذي يجب أن يصان".‏

وإثر ذلك سجلت منظمة اليونسكو في عام 1986 مدينة حلب في قائمة المعالم التاريخية الواجب المحافظة عليه.‏

لمحة تاريخية:‏

دخلت حلب التاريخ منذ ذكرها ريموش الأكادي بن صارغون (2530-2515) ق.م مؤسس أول إمبراطورية ساميّة في الشرق بعد أن استولى على حلب وأسر ملكها لوكال أو شومكال. وظلّت المدينة عرضة للغزوات عبر تاريخها تداولها أيدي الفاتحين من أكاديين وحثيين ومصريين وآشوريين وبابليين ورومان وفرس حتى قدوم الفتح الإسلامي.‏

ما بعد الفتح العربي الإسلامي:‏

ويمتد تاريخ حلب منذ الفتح إلى اليوم أربعة عشر قرنا ويزيد، وقد قسم سوفاجيه هذا التاريخ إلى العهود التالية:‏

عهد الخلافة:‏

في عهد الخلافة (16-222هـ/ 636-836م) لم يكن لحلب شأنها الكبير خلال الخلافة الراشدية والأموية والعباسية في عصرها الذهبي، ولكنها شهدت في نهايات العصر العباسي فترة ازدهار ورقي ثقافي وفكري وحضاري شمل جميع الميادين، وأبدع أبناء المنطقة في صناعة الألبسة وبناء المساكن الضخمة والمساجد الشهيرة.‏

عهد ما بعد الخلافة:‏

( 223-532 هـ /837-1128م)‏

ولم ينبه ذكر حلب في التاريخ العربي إلا عندما غدت مقر سيف الدولة الحمداني الذي أعاد إليها أمجادها وجعلها عاصمة دولة مزدهرة بالفن والعلماء والشعراء حتى قال ابن خلكان: "إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع ببابه من شيوخ الشعر ونجوم الدهر".‏

وقد اتسعت مملكة حلب فشملت كيليكية وملاطية وديار بكر وأنطاكية وطرسوس وأدرنة وروم قلعة، إلا أن وقوف سيف الدولة العنيد وجيشه البطل في وجه الروم وغزواته المتكررة لبلادهم دفعهم إلى محاصرة المدينة سنة 353هـ واحتلالها وتدميرها وإحراقها وتركها مقفرة خالية بعد أن راح أهلها بين قتيل وأسير. وعندما عاد سيف الدولة إلى المدينة ـ وكان غائبا عنها ـ ووجدها على هذه الحال جدد الأسوار وبعض المباني واستقدم إليها أهالي قنسرين وأسكنهم فيها، ثم توفي ليترك حلب من بعده مدة قرنين من الزمن في عهد من الضياع والفوضى، فقد توالى على حكمها الفاطميون والمرداسيون، وشهدت حلب تزايدا للنفوذ التركي ثم حكمها السلاجقة، وقد شهدت المدينة خلال هذه الفترة خضوعا مراً للروم، ثم كانت حملات الصليبيين الذين اكتسحوا حلب (1108م).‏

ولم ينته عهد الفوضى والضياع إلا عندما قبل عماد الدين الزنكي إمارة حلب.‏

عهد الدولة النورية:‏

(523-579هـ/ 1128-1260م)‏

وبظهور الأمير عماد الدين وابنه نور الدين الزنكي أصبحت حلب مركز المقاومة الإسلامية ضد الفرنجة، فقد بدأت أحوال حلب بالتحسن وزال عنها الضيم، ثم جاء زلزال حلب المدمر (1170)م، وقد قام نور الدين على إثر هذا الزلزال بأعمال عمرانية كبيرة داخل المدينة وفي الأسوار فأعاد بناء القلعة حتى أخذت شكلها النهائي الذي نراها عليه اليوم تقريبا.‏

عهد الدولة الأيوبية‏

عهد الدولة الأيوبية (579-659هـ/ 1183-1260م) هو عهد المدينة الزاهر في العصر الوسيط، وأشهر الحكام الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين رجل الدولة وصاحب المزايا الرفيعة الذي استطاع بحكمته وقاية المدينة من شرور الفرنجة، بالإضافة إلى عقده عدة معاهدات تجارية مع انطاكية والبندقية فنالت حلب شهرة ومجداً عظيمين في زمانه.‏

وقد انتهى هذا العصر الذهبي الذي عاشته المدينة باجتياح المغول لحلب (1260)م بعد حصار عدة أيام، وظلت المدينة أسبوعا كاملا تحت رحمة المجازر والنهب والحرائق، وحوّل هولاكو الجوامع إلى كنائس, وبعد انتصار بيبرس على المغول في عين جالوت تخلصت حلب نهائيا من يد الفرنجة (1268م(.‏

وفي عام (1400م) استولى تيمورلنك على حلب، وتعرضت المدينة لأسوأ أنواع التخريب الوحشي.‏

عهد المماليك‏

وبعد انتهاء خطر المغول غدت حلب ولاية مملوكية (659-922هـ/ 1260-1516م) وأبرز حكام هذه الفترة قايتباي الذي تميز باهتمامه بالعمران وترك آثاراً عديدة مثل جامع الفردوس وخان الصابون، وخلف لنا أمثاله من الحكام خان القصابية (خان ابرك) وخان خاير بك.‏

عهد الدولة العثمانية‏

وقد كانت حلب أول مدن الدولة المملوكية التي سقطت بين أيدي العثمانيين بعد معركة "مرج دابق" 1516م.‏

وبالرغم من سوء الحكم العثماني (922- 1337هـ / 1516- 1918م) لحلب وتدهور الحالة الاقتصادية والتجارية فقد شهدت حلب نهضة أدبية وفنية وعمرانية.‏

أما من الناحية العمرانية فقد ظهر فن عمراني تزييني بلغ قمته في تلك الحقبة من الزمن ولاسيما في بيوت السكن الواقعة حاليا في حي الفرافرة والصليبة، ونجد فيها بعثا للتقاليد الفنية السورية التي تعود إلى القرون الرابع والخامس والسادس الميلادية، وظهر ذلك بشكل باحات فسيحة جيدة البلاط مع حديقة صغيرة وبركة تتوسطها نافورات حجرية وإيوان جميل متجه نحو الشمال ومحمي من أشعة الشمس والصالون الكبير المتصالب الذي تعلوه قبة.‏

وقد تعرضت حلب إلى زلزالين مدمرين عامي 1822و1830م، وقد قضى الزلزال على ثلث السكان وثلثي الأبنية وانهارت السراي وجامع الأطروش وجامع السلطانية تجاه باب القلعة، كما أصيبت القلعة ذاتها بأضرار كبيرة مع أجزاء غير قليلة من السور.‏

وفي فترة الحرب العالمية الأولى كانت حلب محطاً لقوافل الجيوش الألمانية والعثمانية والنمساوية، وقد صادرت السلطات في هذه الفترة الجوامع والكنائس والمدارس الخاصة والكثير من البيوت لهذا الغرض. وفي عام (1917م) استغل جمال باشا فرصة الحرب والمرض وأجرى إصلاحات بلدية كتهوية الأحياء القديمة وهدم البيوت المتداعية، وبذل جهدا كبيرا لتوسيع شبكة مياه عين التل النقية.‏

عهد الاستقلال أو العهد العربي:‏

وقد عاشت حلب بين عامي 1918 و1920م فترة فرح نسبي باستقلال كاذب لأن الانتداب الفرنسي فرض على سورية في 1920م بدخول غورو دمشق.‏

عهد الاحتلال الفرنسي:‏

وقد كانت هذه الفترة (1920- 1946) مليئة بالثورات والانتفاضات التي انتهت جميعا بالاستقلال والخلاص من كل حكم أجنبي.‏

ومنذ عهد الاستقلال إلى اليوم وسورية تنهج النهج العربي القومي الواضح نحو مستقبل يضارع ماضيها حضارة ومجداً.‏

احتفاليات حلب عاصمة الثقافة الإسلامية‏

إلى الأنشطة التي تشهدها مدينة حلب من افتتاح معارض ومكتبات ومساجد تشهد المدينة عدداً كبيراً من الندوات والمحاضرات ـ بلغ عددها نحو 150 محاضرة ـ التي تعطي صورة وافية عن تاريخها وأدبها وفنونها وحضارتها الضاربة في الزمن.‏

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1156 ـ 7 نيسان/أبريل 2006‏

2006-10-30