ارشيف من : 2005-2008

الوحدة الإسلامية كخيار حضاري

الوحدة الإسلامية كخيار حضاري

محمد علي المسمار‏

تأتي ذكرى ولادة الرسول الأكرم (ص) في ظل جهود محمومة يبذلها أعداء الأمة لزرع الشقاق والفرقة بين أتباع الرسول (ص) والسائرين على دربه، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً لضرورة العمل على تعزيز الوحدة بين المسلمين.‏

لمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية ينعقد في قصر الأونيسكو ـ بيروت مؤتمر حواري يشارك فيه عدد كبير من رجالات الفكر الإسلامي وقادته والمهتمين بالإسلام والمسلمين وقضاياهم ومصيرهم ووحدتهم، واضعين نصب أعينهم خدمة دينهم الحنيف وخدمة أتباعه، وتفعيل دوره الحضاري الريادي الذي عطلته قوى الشر وحولته إلى مجموعة من الطقوس العبادية والخلافات المذهبية التي صدعت كيانه وأفسحت المجال للقوى الاستعمارية المعادية ـ مع عوامل مختلفة ـ لإخراج الواقع السياسي الإسلامي في صورته القائمة.‏

فمن استقواء بالأجنبي على النحو الذي نراه اليوم إلى الاقتتال الطائفي بين أبناء الدين الواحد، الى جرائم التكفيريين ومجازرهم المشينة في ظل التوترات المذهبية والسياسية الرخيصة التي ما زالت تستشري في جسد الأمة الإسلامية وكياناتها وموروثاتها الشرعية القائمة على النص من دون مراعاة المصلحة العامة والمصالح العليا للأمة الإسلامية في مقابل المصالح الأخرى الآنية للطوائف والمذاهب والحكام، فالمنهج الديني والسياسي للإسلام لا يسمح ولا يسوّغ لأحد تعريض مستقبل الأمة الإسلامية ومصالحها العليا ومستقبلها لإشباع المطامع والنزوات الضيقة، كذلك لا يترك مجالاً لأعداء الأمة للتدخل والتسلط على مقدراتها ومصيرها ومصير أبنائها، وإخلال موازين القوى لغير مصلحة الإسلام والمسلمين، ما يتيح لهذا المنهج تشخيص المصلحة الإسلامية العامة والوصول إلى مرحلة المعرفة بوجودها والاطمئنان بها وإليها ليصبح بمقدورها اتخاذ المواقف المناسبة لخدمتها، إذ إنه لا يجوز إصدار أحكام ومواقف كيفما اتفق.‏

وهناك مسألة أخرى يجب معالجتها والتركيز عليها لا تقل أهمية عن سابقتها، وهي رفض أي تحالف مع القوى الخارجية ضد قوى الداخل الإسلامي كما يحصل اليوم، فلا يمكن الاستقواء بالكافر على المسلم أو بقوى الاستعمار ودوله على القوى الإسلامية وبلدانها كما هو معلوم ومتفق عليه ديناً وشرعاً، لأن في ذلك خطرا فعليا وحقيقيا على الساحة الإسلامية بأكملها يهددها بالانهيار والسقوط، وهذا لم يراعَ في المعركة الحالية التي تخوضها الأمة الإسلامية ضد الهجوم الغربي الذي تقوده اليوم الولايات المتحدة الأميركية والصهيونية العالمية وحلفاؤهما، والذي يستهدف الصحوة الإسلامية ومصادر قوتها وقدراتها للإيقاع بها، وعرقلة تقدمها وانتصارها. وهذا يعود إلى سببين أساسيين: السبب الأول هو انعدام المرجعية السياسية الواحدة في العالم الإسلامي القادرة على قيادته في مواجهة الأخطار المطبقة عليه من كل جانب، اذ ان تعدد المرجعيات السياسية والصراعات المستحكمة في ما بينها، برغم وجود عدة أطر تعمل على توحيدها والتنسيق بينها، كقمة الدول الإسلامية والمؤتمر الإسلامي وغيرهما من الأطر، لم تستطع حتى الآن توحيد مواقفها مما يجري ويحدث في العالم الإسلامي والدول الإسلامية من خراب ودمار وتقتيل يستهدف التراث والقيم والشعوب الإسلامية، أو إيقاف ومواجهة هذا التدمير الذي استنزف الإسلام والمسلمين، والذي طال الجميع. والمفجع أنه برغم كل ذلك لم يتغير شيء من واقع الحكام والسلطات السياسية المتعاقبة والمتتالية على الحكم في ديار الإسلام، ما زاد في حراجة المأزق السياسي وخطورة تداعياته على الواقع الإسلامي. أما السبب الثاني فهو غياب المرجعية الفقهية الفاعلة للمسلمين كافة التي تشكل في حالة وجودها عنصراً أساسياً في عملية التوحيد والوحدة، لما لها من اعتبارات ومفاعيل في الهوية العقدية وارتباط العامة بالمواقف الشرعية التي تقوي وتعضد الحركة السياسية للحاكم الإسلامي ودوره في الدفاع عن الأمة ووحدتها الداخلية ومواجهة التجزئة والصراعات الطائفية التي تنحر جسد الأمة وتحيلها إلى أشلاء لا حراك فيها، تستجدي خصومها وأعداءها لإعطائها جرعة من الاختلاج ورمقاً من الحياة.‏

فالمرجعية السياسية والفقهية الواحدة تمنح الأمة القدرة والوحدة في مواجهة الأعداء، وتمنحها المناعة والصلابة لمواجهة كل المحاولات التي تستهدف الإسلام في عقر داره، وتكسبها حضوراً فعلياً على ساحة القرار السياسي وساحة المواجهة الفعلية لتحقيق نصرٍ حاسم على أعداء الإسلام في المجالات كافة في خطوة مهمة على طريق الانتصار الحضاري الذي يسعى اليه الإسلام والإسلاميون الذين يرون أنه لا مفر للغرب وحضارته من الرضوخ للحضارة الإسلامية الناصعة وقيمها الإنسانية الخالدة. وبهذا الاتجاه ينتظر ان تجري حوارات في المؤتمر الذي تعقده قوى الوحدة الإسلامية في لبنان ومناقشات وتوصيات في الاطار الذي يؤدي إلى خدمة الأمة الإسلامية وقضاياها العادلة وحقوقها المشروعة في بناء مستقبل زاهر لها يصب في خدمة الإنسانية جمعاء.‏

الانتقاد/ ثقافة ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-30