ارشيف من : 2005-2008
الغوايات الشيطانية(*)
نور الولاية
ربما يعد الشيطان الإنسان بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين، وبهذا الوعد نفسه يقطع الشيطان يد الإنسان عن ذيل الرحمة. وهذا الإنسان غافل عن أن بعث الرسل وإرسال الكتب وإنزال الملائكة والوحي والإلهام على الأنبياء والهداية إلى طريق الحق، كل ذلك من شؤون الرحمة لأرحم الراحمين.. وقد اتسعت الرحمة الواسعة لجميع العالم، ونحن على جانب عين الحياة نهلك من الظمأ.. هذا القرآن هو أكبر رحمة الله، فإن كنت تطمع في رحمة أرحم الراحمين فتأمل رحمته الواسعة واستفد من هذه الرحمة، فإنه قد فتح طريق الوصول إلى السعادة وبيّن طريق الهداية من الضلالة.. وأنت تلقي نفسك في الهلاك وتنحرف عن الطريق المستقيمة! فليس في الرحمة إذاً أي نقصان، ولو كان من الممكن أن يُري الله الإنسان طريق الخير والسعادة في طور آخر لكان سبحانه أراه إيّاه بمقتضى رحمته.. ولو كان من الممكن أن يوصل الإنسان إلى السعادة إكراهاً لكان الأنبياء يوصلونه بالإكراه.. لكن هيهات، فإن طريق الآخرة طريق لا يمكن أن يسعى فيها إلا بقدم الاختيار، وإن السعادة لا تحصل بالجبر، وإن الفضيلة والعمل الصالح بلا اختيار ليسا فضيلة ولا عملاً صالحاً.. ولعل هذا معنى الآية الشريفة: "لا إكراه في الدين". نعم، ما يمكن أن يعمل فيه الإكراه والإجبار هو صورة الدين الإلهية لا حقيقته، وإن الأنبياء عليهم السلام كانوا مأمورين أن يفرضوا على الناس صورة الدين ما أمكنهم، وبأي نحو ممكن حتى تكون صورة العالم صورة العدل الإلهي.. ولكنهم بالنسبة إلى الباطن ليس لهم إلا مجرّد الإرشاد حتى يمشي الناس في هذه الطريق بأنفسهم وينالوا السعادة باختيارهم. وبالجملة، هذا الوعد بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين هو أيضاً من غرور الشيطان، ليقطع يد الإنسان عن الرحمة بطمع الرحمة.
(*) من كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده)
الانتقاد/ ثقافة ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018