ارشيف من : 2005-2008
عصمة الانبياء في كتاب الله: آيات محكمات
اسماعيل زلغوط
عن الصادقين عليهما السلام: «إنّ الانبياء معصومون لا يذنبون، ولا يزيغون، ولا يرتكبون ذنباً صغيراً، ولا كبيراً».
إنّ البحث عن "العصمة" ليس بحثاً عن مسائل جانبيةٍ لا تمتُّ إلى الحياة الاِنسانية، فهي من الاَُمور التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة كل مسلم في كل آن.
إنّ البحث في العصمة بحثٌ عمّا يضمن سلامة العقيدة واستقامتها، وبالتالي بحث عمّا يضمن مطابقة حياتنا الحاضرة مع ما أنزله الله من تشريع، وما تركه نبيّه الكريم من سنّة.
والعصمة صيانة الاِنسان من الخطأ والعصيان، فالمعصوم المطلق من لا يخطأ في حياته، ولا يعصي الله في عمره.
والأنبياء عليهم السلام معصومون من الذنوب والمعاصي العمدية والسهوية، وكذلك من الخطأ والسهو، وهذا أمر يدركه كل إنسان سليم الفطرة والوجدان من غير حاجة إلى دليل من هنا أو هناك، مما يسميه المتحذلقون والمتكلفون دليلا عقليا أو علميا. لأنّهم لو لم يكونوا كذلك لانعدمت ثقة الناس بهم وبما ينقلونه إليهم بعنوان انّه الوحي المنزل؛ الأمر الذي يصدهم عن قبوله أو العمل به. وبالنتيجة سوف تنتفي الحكمة الإلهية من وراء بعث الأنبياء والرسل لهداية الناس.
من هنا ندرك أبعاد العناية الإلهية بهذه المسألة التي عرض لها القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات.
قال سبحانه وتعالى: "وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرّيَّـتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلّ مِنَ الصّالِحينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاً فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ". ثم إنّه يصف هذه الصفوة من عباده بقوله: "أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرى لِلْعالَمينَ". والآية الأخيرة تصف الأنبياء بأنّهم مهديون بهداية الله سبحانه على وجه يجعلهم القدوة والاسوة.
هذا من جانب ومن جانب آخر نرى أنّه سبحانه يصرح بأنّ من شملته الهداية الإِلهية لا مضل له ويقول: "وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ* وَمَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلّ". وفي آية ثالثة يصرح بأنّ حقيقة العصيان هي الانحراف عن الجادة الوسطى بل هي الضلالة ويقول: "أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِى آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ* وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبلاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ".
وبملاحظة هذه الطوائف الثلاث من الآيات تظهر عصمة الاَنبياء بوضوح، وتوضيح ذلك:
انّه سبحانه يصف الاَنبياء في الطائفة الاولى من الآيات بأنّهم القدوة الأسوة والمهديون من الله. كما يصرح في الثانية بأنّ من شملته الهداية الاِلهية لا ضلالة ولا مضل له.
ويصرح في الثالثة بأنّ العصيان نفس الضلالة أو مقارنه وملازمه حيث يقول: "ولقد أضل منكم" وما كانت ضلالتهم إلاّ لأجل عصيانهم ومخالفتهم لأوامره ونواهيه.
فإذا كان الاَنبياء مهديين بهداية الله سبحانه، ومن جانب آخر لا يتطرق الضلال إلى من هداه الله، ومن جانب ثالث كانت كل معصية ضلالاً يستنتج أنّ من لا تتطرق إليه الضلالة لا يتطرق إليه العصيان.
"وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً". وعلى مفاد هذه الآية فالأنبياء من الذين أنعم الله عليهم بلا شك ولا ريب، وهو سبحانه يصف تلك الطائفة أعني: (من أنعم عليهم) بقوله: بأنّهم: "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالّينَ". فإذا انضمت الآية الاَُولى الواصفة للأنبياء بالإنعام عليهم، إلى هذه الآية الواصفة بأنّهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، يستنتج عصمة الاَنبياء بوضوح، لاَنّ العاصي من يشمله غضب الله سبحانه ويكون ضالاً بقدر عصيانه ومخالفته.
إنّ القرآن الكريم يدعو المسلمين إلى الاقتفاء بأثر النبي بمختلف التعابير والعبارات يقول سبحانه: "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرينَ". ويقول أيضاً: "مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ". ويقول في آية ثالثة: "وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزونَ". كما أنّه سبحانه يندد بمن يتصور انّ على النبي أن يقتفي الرأي العام ويقول: "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطيعُكُمْ في كَثيرٍ مِنَ الاََمْرِ لَعَنِتُّمْ".
وعصارة القول: إنّ هذه الآيات تدعو إلى إطاعة النبي والاقتداء به بلا قيد وشرط، ومن وجبت طاعته على وجه الاِطلاق أي بلا قيد وشرط يجب أن يكون معصوماً من العصيان ومصوناً عن الخطأ والزلل.
مع ثبوت العصمة للأنبياء(ع)، يصبح من نافل القول: إن أي حديث أو آية يُشتبه منها وقوع الذنب أو المعصية من هذا النبي أو ذاك؛ لا بدّ من التدبر في معانيها بما لا يتعارض مع عصمتهم(ع). وعليه، فإن أي تفسير أو فهم للآيات والأحاديث يُثبِِت ذنبا أو معصية لأي نبي هو تفسير باطل لا قيمة له في نظر القرآن والوجدان.
الانتقاد/ ثقافة ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018