ارشيف من : 2005-2008
بين ولادة النبي(ص) والامة الغافية!
بلال نعيم
في السابع عشر من ربيع الاول كانت إشراقة ذلك الوجه النوراني على عالم الدنيا والانسان ليشعّ من وسط هذا العالم الى جميع أرجائه بدين حنيف ورسالة قويمة نقلت امة من الحضيض ومن الجاهلية وموروثاتها البغيضة الى النور والعلم والمدنية والانتظام، وهذا النقل لم يكن ليحصل لولا الشخصية الاستثنائية للنبي الاعظم(ص) ولولا المحتوى الرسالي الإنساني المتقدم الذي صدع به وبلغه في أرجاء العالم.
ان شخصية النبي محمد(ص) اذا وضعت الى جانب المضمون الراقي لرسالة الاسلام فإنهما يشكلان جادة الخلاص والأمل للإنسانية، فالشخص هو الانسان الكامل في مزاياه، وحال التزامه أسوة وقدوة، فإن المجال ينفتح أمام كل إنسان ليبلغ الكمالات والمقامات السامية، والرسالة هي دين الهدى ودين الحق، الهدى الذي ينير درب الانسان والحق الذي به تثبت قدماه على صراط الهدى المنير. وكذلك الحق الذي يوائم في الوجود بين متطلبات العوالم المندكة في الانسان؛ فإذا بهذا الإنسان مع الإسلام مخلوقاً متكاملاً متوازناً معتدلاً وعادلاً وأميناً ولطيفاً وقوياً، وبإمكانه أن يحيا في وسط البشر، وأن يألفهم ويألفوه، وأن يكون حجة عليهم وشاهداً بينهم على حقانية الحق وسلطانه وسيادته. وبهذا المضمون أراد النبي(ص) أن ينقل أمته من أطراف عالم الوجود إلى وسطه لتكون أمة حاضرة وفاعلة ومؤثرة في صناعة الأحداث والتطورات التي يشهدها العالم، بل لتكون أمة حجة على الأمم وقائدة لها ورائدة فيها، وليس ذلك ولن يكون بالتغني بذلك الإرث الفكري الحضاري الإنساني العظيم الذي يزخر به الإسلام كدين وشريعة وقيم وأخلاق، وانما يكون ذلك بإخراج هذا الإرث الى حيّز الفعل والتطبيق لتكون الأمة الإسلامية ومن خلال التزامها بالإسلام أمة حيّة حاضرة ومتقدمة لا يسبقها سابق ولا يلحق بها لاحق، لا في مجال المبادئ والمفاهيم ولا في مجال السلوك والتقدم والتطور وتقديم النموذج الحضاري الفريد.
هذه هي حقيقة ما أراده الرسول(ص)، ولكن أين هذه الحقيقة قياساً إلى تجارب المسلمين الماضية وواقعهم الحالي؟
في إحدى مقاطع خطبة الوداع التي ألقاها رسول الله(ص) في غدير خم يؤكد النبي الاعظم(ص) على وحدة أبناء الأمة، وعلى أن دماء المسلمين وأعراضهم عليهم حرام، وفي ذلك إشارة إلى تلك النقلة النوعية التي أحدثها الإسلام في الشعب المسلم من الجاهلية وقيمها (الغزو والقتل والحروب والنزاعات) الى الإسلام وسماحته ورحمته ولطفه وإنسانيته، وفي حال التهافت أو التراجع عن هذا الانتقال والردة إلى قيم القتل والاضطهاد والمجازر، فإن الردة ستصيب الأمة في المقتل، وستنزل أشد العقوبة بالإنجاز التاريخي الذي حققه النبي(ص) وبذل كل حياته في سبيله.
أجل، إن القيام بممارسات وحشية في حق المسلمين كما في حق غيرهم على نحو العدوان هو ارتداد إلى أسفل سافلين من جهة القائم بالفعل، وهو سلوك يطرح آلاف العلامات من الاستفهامات السيئة والبغيضة حول الإسلام وطبيعته وعلاقته بالإنسان ومدى احترامه له وقبوله به، اذ كيف سيتفهم العالم ان ديناً يدعو جميع البشر لاعتناقه وان ديناً يدعو بالارادة لا بالاكراه الى نفسه، ثم يقوم أتباعه بممارسة الظلم والقتل والإبادة حتى في حق مسلمين يشهدون الشهادتين، إن هذا الواقع ينبئ عن ردة في عالم المسلمين، وعن أزمة قد تحول دون سريان المدّ الإسلامي في قلوب العالمين. إن الأمة مدعوة اليوم لتنهض من جديد وفي أكثر من اتجاه، انها مدعوة لرفض الظلم الذي يمارس بحقها، ولرفض الظلم الذي يمارس باسمها، انها معنية بأن تقاوم ظلم المعتدين، وأن تلفظ من أحشائها ما يؤذيها. إذ كيف باستطاعة الأمة ان تقاوم أعداءها وفي داخلها ما ينغّص عيشها ويسيء لتاريخها ويقطع أوصالها، ان المسؤولية صعبة ومهولة لفضح طغيان الأعداء ولفضح أولئك الجهلة الحاقدين، وفي حال لم تقم الأمة بذلك وتخاذل العلماء عن أداء واجبهم او جبنوا عن ذلك فإن الأمة ستكون في حالة سبات، وان الاستبدال قد يتحقق فيها، وان الظلم الذي يحدثه بعض أتباعها سوف يصيب جميع مكوناتها (ولن يصيب الذين ظلموا منها خاصة)، وان الابتلاءات التي تحلّ بالأمم عند تجاوز الحق ومعاييره سوف تصيب هذه الامة، فالرسول(ص) ليس في ظهرانيها لكي يرحمها الله، وهي ليست في مقام الاستغفار حتى يرحمها الله، فالاستغفار يعني معرفة الذنب والتراجع عنه، أما في مثل حال الأمة فإنها قد تكون عارفة بالذنب ولم يبدر منها ما يشير الى تراجعها عنه وتوبتها منه.
انها الأمة العظيمة التي أسيء اليها في التاريخ باستبداد انظمة وبتخلف شعوب وباضطهاد أعداء طغاة، ويساء إليها اليوم بالإضافة الى ما سبق بظلم جهال عتاة غلاظ يتسنمون أعلاها، ويستظلون فيئها، وهم يحزون رقبتها ويعبثون بأحشائها.
إن امة محمد (ص) مدعوة اليوم الى ان تنتفض على نفسها وعلى أعدائها، وان تستيقظ من غفوتها لان السنن سوف تطالها، والمثلات سوف تضربها، وسيبقى الوعد الإلهي بأن دين الحق سوف يظهر لكن عندها سيظهر على أيدي أناس آخرين، وستأتي أمم تحمل الإسلام وترفع رايته بعد أن يخذله الأتباع ويتجافى عنه الأقربون!
الانتقاد/ ثقافة ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018