ارشيف من : 2005-2008
سلطان المحبة والأدب
حسن نعيم
بين الرقة ودير الزور
طالع كماة يا طيبو
عبد السلام موصي
كل من ياخد خطيبو
هكذا دخل عبد السلام العجيلي الذاكرة الشعبية من بوابة الحب. أحب الرجل الفرات فدخل في شرايين منابعه وروافده, وأحب الرقّة فدخل قلوب أبنائها دون استئذان، فهذه الأهزوجة تكرّس رجلاً حياً لا يملك من حطام الدنيا سوى سلطان الكلمة ومحبة الناس ملكاً متوجاً على عرش القلوب.
لقد بادلته الرقّة وأهلها الحب بالحب والتقدير بالتقدير فاختلطا ببعضهما البعض اختلاط ماء الفرات بالعشب والمطر. لقد اختلط ذكرهما في الذاكرة الشعبية، ونظمت أهازيج للأفراح يرد فيها ذكر العجيلي وكأنه شخصية تاريخية موغلة في القدم، أو أحد الأولياء الصالحين.
من قال إن الريف لا يعطي الذين يعطونه؟
ينقل القادمون من تشييع جنازة الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي أخباراً شبه أسطورية عن علاقة هذا الأديب الكبير ببيئته الريفية التي حملته على أكف من غمام إلى مثواه الأخير في مقبرة حطين. يقول بعض هؤلاء إن الطبيعة كانت تشيّع أحد عناصرها...
لقد آثر العجيلي البقاء في قريته البعيدة عن الأضواء فزحفت الأضواء إليه فأعطى معنى جديداً للمكان الذي يزدهر بأهله فيعلو بهم ويعلون به.
فكرة أخرى تحضرني في وداع العجيلي وهي كلمة لجورج طرابيشي عن أدب العجيلي في دراسة له تحت عنوان: "العجيلي بين الرؤية والرؤيا" ضمها كتابه "الأدب من الداخل" بأن هذا الأدب يصدر عن الرؤيا بمعناها الغيبي ويقول طرابيشي: "ولكننا لن نستطيع مع ذلك أن ننكر أن العجيلي قد خلق أجواء ساحرة، متفردة، أخاذة، وأننا قد أخـذنا بها بالرغم من احتجاج العقل فينا".
يمكنني القول، ليس على سبيل الرد، بأن صاحب هذا الرأي يتجاهل، أو لا يدرك بعض مقاصد الكاتب التي ترى أن علمنا الحاضر، على ما بلغه من تقدم على طول تاريخ الإنسانية، لا يزال قاصراً عن إدراك كل حقائق الكون، سواء في عناصره المرئية أو اللامرئية.
لا تزال أمام العلم مجاهل كثيرة يترتب علينا السعي الحثيث للكشف عنها وإدخالها في النص الإبداعي.
الانتقاد/ نقطة حبر ـ العدد 1157ـ 14 نيسان/ ابريل 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018