ارشيف من : 2005-2008

القرآن الكريم... المعجزة الخالدة

القرآن الكريم... المعجزة الخالدة

كانت معجزات الأنبياء (ع) التي اختصهم الله جل وعلا بها ـ على اختلافها وتعددها بين نبي وآخر ـ براهين قاطعة على صدق دعواتهم، وحجة دامغة على أقوامهم، فهي آيات الله إليهم، لتُثبت، بما لا يقدرون على فعله من خرق للمألوف وبواقع حسي شاخص للعيان، أن هذه الأمور إنما هي صادرة عن الله تعالى، لتأييد أنبيائه ورسله، وإظهار حجتهم، بما يؤدي إلى الإيمان بدعواتهم، والتصديق بأنهم أنبياء الله ورسله.‏

المعجزة والشائع‏

والمعجزات الحسية التي جاء بها الأنبياء السابقون، كانت ـ في بعضها ـ تتلاءم مع ما هو شائع في العصر الذي جاءت به، كمعجزة النبي موسى (ع) مع قومه الذين كانوا يتعاطون السحر، ومعجزة النبي عيسى (ع) التي كانت إبراءه للأكمه والأبرص، حيث كان قومه يتعاطون الطب، فكانت معجزته هي شفاءه للأمراض التي لم يكن بمقدورهم شفاؤها (فضلاً عن إحيائه الموتى).‏

المعجزة العقلية الخالدة‏

ومن هذه المعجزات الحسية المادية المتلائمة مع ما هو شائع في تلك العصور، نأتي إلى المعجزة العقلية الكبرى لخاتم الأنبياء والمرسلين، محمد (ص)، التي هي القرآن الكريم، وهي المعجزة التي تتلاءم بشكل قاطع مع ما كان شائعاً في عصره (ص)، حيث كان العرب في ذلك الحين مشتغلين بالشعر والخطابة، وكانوا يتفاخرون بذلك، ويتبارون، فجاءهم رسول الله (ص) بدعوته ومعجزتُه بين يديه، وهي القرآن الكريم، فوقفوا حائرين أمامه، فهم لا يرون في آدابهم له نظيراً، ولا يجدون في أنفسهم القدرة على تقليده، وقد تحداهم الله تعالى في ذلك فقال "وإن كنتم في ريب مما نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله"، فعجزوا عن ذلك.‏

الإعجاز في القرآن الكريم‏

يمكن عرض الإعجاز في القرآن الكريم من خلال تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، وهي:‏

الإعجاز اللغوي، الإعجاز الغيبي، والإعجاز العلمي.‏

الإعجاز اللغوي‏

كان الكلام عند العرب يندرج تحت عناوين ثلاثة، وهي إما الشعر أو النثر، أو ما بينهما وهو السجع، فجاء القرآن الكريم خارجاً عن هذه العناوين الثلاثة، فلا هو شعر ولا هو نثر ولا هو سجع، إنما هو قرآن، في سور وآيات.‏

ولمّا كان العرب أهل لغة وعلم وقفوا أمام القرآن الكريم، مبهورين، ورضخوا في قرارة نفوسهم لإعجازه، وإن أظهر بعضهم خلاف ذلك على لسانه.‏

وإعجاز القرآن الكريم لناحية لغته، هو فيه بتمامه، من أوله الى آخره، فضلاً عما يذكره أهل الاختصاص في كتبهم من الشواهد الدالة على رُقيِّه اللغوي، وهي شواهد كثيرة منها:‏

"نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم".‏

اختار القرآن الكريم كلمة "حرث" (الأرض التي ذُللت للزرع)، لتشبيه النساء، ولم يقل الأرض أو الزرع أو الحقل، وفي ذلك كناية عن التشابه بين صلة الزارع بحرثه، وصلة الزوج بزوجه، حيث ذلك النبت الذي يخرجه الحرث وذلك النبت الذي تخرجه الزوجة، وما في كليهما من تكثير، وهذه اللطائف لا تستفاد من غير هذه الكلمة.‏

الإعجاز الغيبي‏

أما الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم فينقسم إلى قسمين: الإعجاز الغيبي في الإخبار عن أحوال الماضين، والإعجاز الغيبي في الإخبار عما سيأتي.‏

لقد أخبر القرآن الكريم في سياق عرضه لقصص الماضين الكثير من الأحداث والتفاصيل التي كانت غير معروفة لأحد في زمن النبي (ص)، فقال عز وجل "تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا"، والكثير من هذه القصص تضمَّن أموراً تفصيلية مهمة في سياق العرض القصصي القرآني.‏

أما القسم الثاني وهو الإخبار عمّا سيكون فنجد مثاله واضحاً في أكثر من سورة وآية، ومنها سورة الروم حيث قال عز وجل في الآيات الأولى منها "ألـم * غُلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ويومئذ يفرح المؤمنون".‏

جاء في تفسير هذه الآيات أن المشركين كانوا يعيّرون المؤمنين بأن الفرس (المجوس) الذين هم كافرون قد غلبوا الروم، وهم أهل كتاب، وأنهم سيغلبون المؤمنين كما غلبت فارس الروم، فنزلت السورة وفيها إخبار إلهي غيبي بأن الروم الذين غُلبوا في الحرب مع الفرس سيَغلبون الفرس خلال بضع سنين، ولقي نبي الله مشركي العرب والتقت الروم وفارس، فنصر الله النبي (ص) ومن معه من المسلمين على مشركي العرب (في بدر)، ونصرَ أهل الكتاب على مشركي العجم، ففرح المسلمون بنصر الله إياهم، ونصرِ أهل الكتاب على المشركين.‏

الإعجاز العلمي‏

يزخر القرآن الكريم بالآيات التي تحمل في مضامينها أخباراً علمية ثابتة لم تكن معروفة في العصور الغابرة، بل إن بعضها كان يُقال بنقيضه تماماً في بعض تلك العصور، كجريان الشمس، فضلاً عن تلك التي اكتشفت بعد نزول القرآن الكريم، ومن هذه الآيات: "فمن يُرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يُرد أن يُضله يجعل صدره ضيقاً حَرَجاً كأنما يَصَّعَدُ في السماء".‏

عندما نزلت هذه الآية الكريمة على نبي الرحمة قبل أربعة عشر قرناً لم يكن أحد من الناس قد صعد في أي آلة إلى السماء، وعندما بدأ البعض في إجراء التجارب في الصعود إلى السماء من خلال المناطيد أو الطائرات البدائية، راحوا يكتشفون وجود مشاكل في التنفس بعد الارتفاع في الجو، وذلك نتيجة نقص الأوكسيجين، فضلاً عن انخفاض الضغط الجوي الذي يؤدي إلى ضيق التنفس أيضاً.‏

إن حبل النور الذي امتد من السماء إلى الأرض، وتنزَّل من لدن حكيم عليم على قلب نبي الرحمة، ستبقى آياته معجزة خالدة، بدأت تباشيرها في غار حراء، ولن تنتهي حتى يرد الحوض على رسول الله (ص) في السماء.‏

عدنان حمّود‏

العهد الثقافي/ تحقيق ـ العدد 1158ـ 21 نيسان/ ابريل 2006‏

2006-10-30