ارشيف من : 2005-2008

توتر ما قبل الامتحان.. التلميذ يكرم أو يهان

توتر ما قبل الامتحان.. التلميذ يكرم أو يهان

"عند الامتحان يُكرم المرء أو يهان"، مثل شعبي يشنّف آذان الصغار قبل أن يصيروا في عداد الكبار، ينمو معهم ويكبر على مقاعد الدراسة الأولى سنة بعد سنة حتى آخر مرحلة دراسية.. هكذا يرتبط الامتحان بكرامة الإنسان اذا نجح، وبإهانته وإذلاله إذا رسب. والتوتر السابق والمرافق واللاحق للاستحقاق السنوي يزيد الطين بلّة عندما يتعدى التلميذ الى أهله وبيته ومدرسته.. ما هو منشأ كل ذلك؟ وما السبيل الى تفاديه؟‏

التوتر الذي يرافق الاستعداد للامتحانات المدرسية والجامعية يبدو لازمة من لوازم التجربة التي يدخلها الطلاب مراراً في العام الواحد من دون أن يكون لتكرارها أي دور في تجاوزها، بل على العكس، فإن تكرار التعرض لهذا التوتر يحمل الكثير من الطلبة على هجر مقاعد الدراسة نهائياً، لعدم مقدرتهم على الصمود أمام قساوته. ذلك أننا لا يمكن أن نتخيل عملية تعليمية لا تخضع لعمليات تقويم مستمر، تحدد مدى نجاح تلك العملية في إيصال المعلومات، ومدى نجاح المتعلم (أي التلميذ أو الطالب) في استيعاب تلك المعلومات. هكذا يصف التربويون وظيفة الامتحانات برغم إقرارهم بأن الوضعية الاختبارية التي يوضع فيها الطالب غالباً ما تقلل من مصداقية التعبير عن مستوى تحصيله.‏

إذا كان التقويم المدرسي ضرورة لترفيع الطلاب من صف دراسي الى آخر فقط لا غير، فإن عملية التقويم بنظر الأساتذة وحتى الأهالي، تتجاوز ذلك في مداليلها لتحمل مدلولاً كلياً يُصنف على أساسه الطلاب دراسياً وشخصياً، ويحدد على ضوئه موقع الطلاب الاجتماعي الحالي والمستقبلي، ليس بين أترابهم فحسب، بل في كل الأوساط الاجتماعية التي يدخلونها، بما فيها محيطهم العائلي. فالتلميذ الناجح دراسياً فضلاً عن المتفوق، هو شخص مقبول في الأسرة وبين الأصحاب.. وعلى العكس فإن التلميذ الراسب هو شخص مرفوض اجتماعياً ومنبوذ، بكل ما يحمله النبذ من آثار سلبية على تشكل شخصيته وتفتح طاقاته، وهو بالتالي مرشح لأشكال من المعاناة النفسية جراء التقدير السلبي ليس لجهده، بل لقيمته كذات.. ومن المعروف أن صحة الفرد النفسية منوطة بمدى تقديره الإيجابي لذاته، والعكس صحيح.‏

توتر شامل:‏

والامتحانات المدرسية بهذا المعنى لا تقوّم أهلية الطالب فقط، بل تقوّم أهلية الأسرة التي ترعاه، وأهلية الأساتذة الذين يقومون على تدريسه، والتي يشكل نجاحه بالنسبة اليها اعترافاً بأهليتها، في حين يشكل فشله إقراراً بتقصيرها تجاهه. من هنا دخول المدرسة في جو التوتر الذي تشيعه الامتحانات، ومساهمتها في تصعيده، من حيث لا تدري بملاحقتها المرضية لأبنائها حرصاً على مكانتهم ومكانتها، ذلك أن الامتحانات المدرسية تكتسب هذا البعد التقويمي لمكانة الأنا ولطاقاتها، فإن الفشل فيها يورث الطالب إحساساً بالمهانة واللاقيمة، ويعرضه للإدانة من قبل مجتمع الأهل والمدرسة، ويحمل اليه مخاطر النبذ والاحتقار، فضلاً عن تهديد مستقبله العلمي والعملي في الحياة.‏

هذه الأمور مجتمعة تفسر حالة التوتر التي تصاحب الامتحانات المدرسية التي تعمل ككشاف ـ أو هكذا تدعي ـ يعرّي الطالب جهداً وطاقة أمام غيره من الطلاب، ويصنف مكانته بالنسبة لهذا الغير القليل من التوتر.‏

وإذا كانت كل هذه الأمور سبباً في إحداث التوتر لدى الطالب، فإن هذا التوتر نفسه يشكل لدى أغلب الطلاب الدافع الذي يحملهم على الجد في طلب النجاح، إنقاذاً لصورتهم لدى الآخرين ولدى أنفسهم أيضاً، وليس الرغبة في العلم نفسه.. لذا فإن دافعية المنتمين الى أُسر تهتم بدراسة أبنائها، الى التحصيل، تكون في العموم أعلى من دافعية أولئك الذين لا يُلقي أهلهم بالاً لوضعهم الدراسي، ولا يكترثون لنجاحهم أو لرسوبهم، لأنهم لا ينتظرون منهم شيئاً على هذا المستوى.‏

من هنا فلا ضير في بعض التوتر، ما دام التوتر والقلق صنوين للإنجاز، أي إنجاز يعمل الإنسان على تحقيقه في الحياة.. والنجاح في الامتحانات المدرسية شكل من أشكال الإنجازات الصغيرة التي يحققها الفرد في طريق حياته الطويل.‏

لكن إذا ما اعتبرنا التوتر أمراً طبيعياً بوصفه حافزاً من حوافز التحصيل، ورأينا في اهتمام الأهالي بتحصيل أولادهم الدراسي أمراً إيجابياً بذاته، إلا أن تورط الأهل النفسي في جو التوتر ومبالغتهم في التعويل على نتائج الامتحانات في تحديد مدى أهلية أبنائهم وأهليتهم لا يخلو من مخاطر:‏

أولاً: لأن صدق الامتحانات نفسها في التعبير عن تلك الأهمية لدى القيمين على العملية التعليمية محل شك وجدال، ذلك أن كثيراً من الفاشلين دراسياً نجحوا في الحياة نجاحاً باهراً، والعكس صحيح.. ما يعني ان التقويم المدرسي لطاقاتهم لم يكن دقيقاً.‏

ثانياً: ان تورط الأهل في جو التوتر الذي تخلفه فكرة التقويم المصيري لطاقات أبنائهم ولأهليتهم التربوية، يشكل عائقاً أمام اتخاذهم الدور الملائم الذي يفترض بهم اتخاذه من وضعيات كهذه، ويؤدي الى تصاعد حدة التوتر لدى الطالب الى درجة تضيع وظيفته التحفيزية.‏

وبما أن هدف العملية التعليمية كلها، بما تتضمنه من امتحانات واختبارات لطاقات الطالب ولمدى استيعابه، هو اكتساب المعرفة وتنمية الطاقات، فإن الأولى بالطالب التركيز على تحقيق هذا الهدف، وليس على نتائج الامتحانات التي قد تكون في أحيان كثيرة خادعة بفعل العديد من الثغرات التي تحتويها طريقة السؤال والتقويم.‏

منى بليبل‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1166 ـ16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30