ارشيف من : 2005-2008

حدود اللباس: هذا هو الستر الشرعي

حدود اللباس: هذا هو الستر الشرعي

لفظة "الحجاب" بمعنى الستر لم ترد في أيّ من نصوص الشريعة، وإنّما هو اصطلاح دارِج. ومع ذلك فإنّنا سنستعملها في الإشارة إلى هذا المعنى. والستر هو الحائل بين الرائي والمرئي.‏

والحجاب واحد من تشريعات عدة خاصة بالمرأة، جمعتها الآيات التالية في قوله تعالى: {وَقُل للمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِن وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن}، وقوله تعالى: {وَلاَ يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِن لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِن وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيهَا المُؤمِنُونَ لَعَلكُم تُفلِحُونَ} [النور:30].. وقوله تعالى: {يا أَيهَا النبِي قُل لأزواجِكَ وَبَناَتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِن مِن جَلابِيبِهِن ذلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رحِيماً} [الأحزاب: 59].‏

فالغضُّ من البصر وحفظ الفروج وعدم إبداء الزينة إلاّ ما ظهر منها، ولبس الحجاب وعدم ضرب الأرض بالأرجل، كلها تشريعات ـ مضافاً إليها تشريعات أخرى خاصة بالرجل أو به وبالمرأة ـ أريد بها غاية واحدة مقدسة هي حفظ العلاقة بين الرجل والمرأة في إطارها الإنساني، ووقايتها من جنوح الشهوة وطغيانها.‏

والصورة التي يجب أن يكون عليها الحجاب عرضتها هذه الآيات من خلال الدعوة إلى ستر ما لم يستره لباس المرأة من جسدها في الجاهلية، وذلك في قوله تعالى: {وَقُل للمُؤمِنَاتِ.. وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن..}، أي: يلقين بخمرهن ـ وهي أغطية الرأس ـ على جيوبهن، والجيب هو فتحة القميص. والمراد بها الصدر من باب إطلاق اسم الحال على المحلّ.‏

وعلى ضوء ذلك فإنّ واجب النساء ستر صدورهن ونحورهن بالغطاء الذي يستر رؤوسهن. وقد ذكر أن جيوب النساء في الجاهلية كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها. وكنَّ يُسدلن الخُمُر من ورائهن فتبقى مكشوفة، فأُمرن أن يُسدلنها من قدامهن حتى يغطينها.‏

وكذلك في قوله تعالى: {يأَيهَا النبِي قُل لأزواجِكَ وَبَناَتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِن مِن جَلابِيبِهِن ذلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رحِيماً}، والجلباب هو اللباس الواسع الذي يغطي جميع البدن. ويدنين عليهن جلابيبهن، أي يرخينها. والإرخاء لا يكون إلا من أعلى إلى أسفل. فالله سبحانه يدعو نبيه أن يأمر النساء أن يسترن كامل أبدانهن، حيث كنّ في الجاهلية يكشفن عن أسفل القدمين.‏

وعليه فإن الحجاب "الشرعي" هو اللباس الذي يستر جميع جسد المرأة أمام الناظر الأجنبي.‏

هذا الحجاب يقوم بدوره في تحقيق "الغاية المقدسة" التي سبق ذكرها أعلاه بتحصينه أنوثة المرأة بما يبعد عنها غائلة السوء والتعدِّي، وبما يساهم في نشر حالة العفاف في المجتمع كجزء من حالة الأمن الاجتماعي. فالحجاب يحفظ للمرأة حياءها وشرفها من أن تعبث به العيون الشرهة والنفوس المريضة، فلا تسقط في دَرَك المهانة ووحل الابتذال، كما يصونها من الاختلاط المشين الذي يُعرّضها لأن تكون مهدورة الكرامة، فريسة لأصحاب الشهوات والأهواء، فلا تكون بالتالي إناءً لكل والغ.. وهو وقاية لها من دنس الريبة والشك وقالة السوء ورميهم لها بالفواحش.‏

ومما ينبغي الالتفات إليه، هو أنه ليس كل ما يغطي جسد المرأة يُعتبر حجاباً بالمعنى الشرعي، ويستطيع بالتالي أن يؤدي ذلك الدور الخطير الذي عرفناه آنفاً. فالحجاب الشرعي حقاً هو الذي لا يكون باعثاً على الإثارة، وعليه فلا بدّ من توافر المواصفات التالية فيه:‏

ـ أن لا يكون في نفسه زينةً، كأن ترتدي الفتاة أو المرأة لباساً يغطي جسدها، لكنه "بموضته" (أي طريقة صناعته أو خياطته) وألوانه الزاهية، والزخرف والنقوش التي تعلوه، يكون مما يبعث على حالة من الإثارة ربّما تفوق إظهار المفاتن نفسها.‏

ـ أن يكون ثخيناً لا يشفّ ولا يصف ما تحته. أي أن لا يكون رقيقاً يحكي البشرة ويبرزها، وإلا كانت المرأة كاسية بالاسم, عارية في الحقيقة.‏

ـ أن يكون فَضفاضا واسعا غير ضيّق، فالثوب الضيّق يصف حجم جسم المرأة ويصوره في أعين الرجال، وفي ذلك من الفساد والفتنة ما فيه.‏

قال أسامة بن زيد: كساني رسول الله (ص) قُبْطِيَّةً كثيفة مما أهداها له دِحْيَةُ الكلبي، فكسوتُها امرأتي فقال: "ما لك لم تلبس القُبْطِيَّة؟ قلت: كسوتُها امرأتي. فقال: مُرها فلتجعل تحتها غُلالة ـ وهي شعار يُلْبَسُ تحت الثوب (ويكون بمثابة البطانة) ـ فإني أخاف أن تَصِفَ حجمَ عِظامِها".‏

ـ أن لا يكون مُبَخَّرا مُطَّيبا.. قال رسول الله(ص): "أَيُّما امرأةٍ استعطرت فَمَرَّتْ على قوم ليجدوا ريحها, فهي زانية".‏

ـ أن لا يشبه ملابس الرجال.. قال رسول الله(ص): "ليس منا من تشبه بالرجال من النساء, ولا من تشبه بالنساء من الرجال".‏

ولعن (ص) "الرجلَ يَلْبَس لِبْسَةَ المرأة, والمرأة تلبَسُ لِبسَةَ الرجل".. وقال(ص): "ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يومَ القيامة: العاقُّ والديه, والمرأةُ المترجلة المتشبهة بالرجال, والدَّيُّوث، (وهو الذي يعمل على إشاعة الفحشاء)".‏

ـ أن لا تَقْصِدَ به الشهرة بين الناس.. قال رسول الله (ص): "ومن لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ في الدنيا ألبسه الله ثوبَ مَذَلَّةٍ يوم القيامة".‏

ولباس الشهرة هو كل ثوب يَقْصِد به صاحبُه الاشتهار بين الناس، سواء كان الثوب نفيسا يلبسه تفاخراً بالدنيا وزينتها, أو خسيسا يلبسه إظهارا للزهد والرياء.. أو يرتدي ثوباً مخالفاً مثلاً لألوان ثيابهم ليلفت نظر الناس إليه، مختالاً عليهم.‏

إسماعيل زلغوط‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1166 ـ16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30