ارشيف من : 2005-2008

الهمّة(*)

الهمّة(*)

اعلم أن حضور القلب سببه الهمّة، فإن قلبك تابع لهمّك، فلا يحضر إلا في ما يهمّك.. ومهما أهمّك أمر حضر القلب شاء أم أبى، فهو مجبول عليه ومسخّر فيه.. والقلب اذا لم يحضر في الصلاة لم يكن متعطلاً، بل كان حاضراً فيما الهمّة الى الصلاة، والهمّة لا ينصرف اليها ما لم يتبين أن الغرض المطلوب منوط بها، وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة خير وأبقى، وأن الصلاة وسيلة اليه. فإذا أضيف هذا الى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهانتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة.‏

وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن الى إدراك المعنى. وعلاجه ما هو إلا إحضار القلب من الإقبال على الفكر والتشمّر لرفع الخواطر الشاغلة قطع موادها، أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تتحدث الخواطر اليها، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر.. فمن أحب شيئاً أكثر ذكره، فذكر المحبوب يهجم على القلب بالضرورة، ولذلك ترى من أحب غير الله لا تصفو صلاته عن الخواطر.‏

وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد بين معرفتين: إحداهما معرفة جلالة الله وعظمته، وهي من أصول الإيمان، فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه.‏

الثانية: معرفة حقارة النفس وخسّتها، وكونها عبداً مسخراً مربوباً حتى يتولد من الاثنتين الاستكانة والانكسار والخشوع لله، فيعبر عنها بالتعظيم.. وما لم تمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الرب لا تنتظم حالة التعظيم والخشوع، فإن المستغني عن غيره الآمن على نفسه، يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة، ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله، لأن القرينة الأخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجتها لم تقترن بها.‏

(*) من كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده)‏

الانتقاد/ نور الولاية ـ العدد 1166 ـ16 حزيران/يونيو 2006‏

2006-10-30