ارشيف من : 2005-2008
كتّاب الكتاب الواحد
تحيلنا الأعمال الأدبية الخالدة إلى ما هو أبعد من النهايات السردية التي يكتبها الأدباء, أو حتى تلك المقاصد والرسائل التي يريدها الكتّاب، سواء صرّحوا بذلك أم لم يصرّحوا.
في تلك الأعمال الرائدة يشارك كل واحد منّا في صياغة النص الجديد المبني على المادة الخام التي خطّها الكاتب الأول. نقول الأول لأننا هنا إزاء أعداد هائلة من الكتّاب، إلى الحد الذي يمكننا معه القول إن كل قارئ جيّد يضيف معنى جديداً إلى المعاني والأفكار التي يريد الكاتب إيصالها إلى جمهوره، هو كاتب جديد.. وهكذا تتعدد القراءات وتتعدد الرؤى ويتعدد كتّاب الكتاب الواحد.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن أن يجيد أحد هؤلاء الكتّاب ـ القرّاء في إنتاج رؤية أبرز من رؤية الكاتب الأول، ولا نقول الأصيل، لأنه والحال هذه ما عدنا نعرف من هو الأصيل! هل هو الذي خطّ العمل الأدبي، أم ذلك القارئ المتفاعل الذي طلع علينا برؤية استنبطها من النص لم تخطر في بال المؤلف نفسه؟ هذه حقيقة اعترف بها نجيب محفوظ عندما اعتبر في أحد حواراته أن بعض النقّاد يحلّقون في قراءة نصوصه وتأويلها في مستويات لم يصل إليها هو ككاتب, ويوردون أفكاراً لم تخطر على باله قطّ.
لقد ذهب قرّاء أعمال شكسبير وديستوفسكي ودانتي وغيرهم من كبار المبدعين مذاهب شتى في تأويل روائعهم الأدبية التي ما زالت حتى الآن قادرة على اجتذابنا، والسبب أنها لم تكن تنطوي على رؤية أحادية، بل لأنها كانت متعددة الأصوات تنبسط دلالاتها أفقياً أمام القارئ كسهول من ذهب.
حسن نعيم
الانتقاد/ نقطة حبر ـ العدد 1166 ـ16 حزيران/يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018