ارشيف من : 2005-2008
الامام الخميني(قده) ومنهج التوحيد في الشريعة وفي الحياة
العزاء للمؤمنين وللمسلمين ولاهل التوحيد في العالم في الذكرى السابعة عشرة لرحيل شيخ عرفاء القرون الاخيرة الامام الخميني(قده) الذي اسّس لمنهج عرفاني شامخ تميز في حكايته عن الاسلام الحنيف وفي سعيه لتطبيق الاسلام بحقانيته من دون اضافات او تدخل، فأطلق عليه الامام الخميني(قده) الاسلام المحمدي الاصيل.
وفي ذكرى رحيل الامام(قده) كما في المناسبات التي ترتبط بالعظماء من البشر نستحضر بعضاً من فكره، نتوقف عنده، نسترده الى الحاضر حيث الحاجة تتأكد مع الايام المتسارعة الى معين ذلك الرجل العظيم الذي طبع هذا العصر بخصائصه ورشحات انفاسه حتى قيل ان العصر هو عصر الخميني(قده)، وان هذا الامام العظيم ما زال حياً نابضاً في كل الامة التي عشقها واخلص لها وافنى حياته في سبيل إحيائها وإيقاظها ونفض الغبار عنها.
ومن جملة ما نستحضره من فكر الامام الخميني(قده) المنهج التوحيدي الذي يلخص الامام فكراً ونهجا وسلوكاً، المنهج التوحيدي المتكامل الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين". والذي عبر عنه امير الموحدين وسيد العارفين امام المتقين بقوله: "ما رأيت شيئاً الا ورأيت الله معه وفيه وبعده".
وهو المنهج الذي قرأ فيه الامام الخميني(قده) هذا الزمان، وعكس المبادئ عليه من دون الإضرار بالزمان ولا تمييع المبادئ او العبث بها، وهو المنهج الذي برز في صلاة الامام التوحيدية، وفي سياسته التوحيدية وفي ادارته التوحيدية وفي كل سلوكه التوحيدي، فكل ما صدر عن الامام وفي كل مناحي الحياة، وفي الابعاد النظرية وفي الاحكام وفي الممارسات كان ينم عن انه الموحد الذي يرى الله في كل الوجود ولا يرى غيره، يحبه ولا يحب سواه، يتوكل عليه ولا يخشى احداً غيره، حتى انه استنبط شعاراته ومقولاته من هذا المقام، أي من توحيده لله وكفره بمن عداه، من اخلاصه لله وكفره بالطاغوت، من ولايته لله ومواجهته للمستكبرين، وبما انه الموحد في كل اتجاه، قال: "سياستنا عين ديانتنا".
فإخلاصه في العبادة يوازيه ويرافقه اخلاص في الطرح السياسي وفي القرار وفي الموقف، في الولاية والاتباع، في العداء والمجابهة، في خدمة المستضعفين وفي مواجهة المستكبرين، في التزامه بالاسلام ورفضه للشرق وللغرب.
لم يكن الامام الخميني(قده) يفصل بين العبادة وخدمة الناس، بل اعتبر خدمة عيال الله من اعظم تجليات العبادة ومصاديقها، هذه الخدمة التي تتراوح بين توفير حاجة من حاجات المعيشة، الى اقامة العدالة والنظام العادل، فهو في طرحه للولاية واقامة الدولة كان يهدف الى تحقيق العدالة التي توفر للناس مناخ العبودية وتجذبهم الى الحق وتهديهم سواء السبيل، وهذه هي مهمة الانبياء والصالحين على مدى التاريخ.
- ومن جملة خصائص المنهج التوحيدي للامام بالاضافة الى رؤية الابعاد المختلفة للاسلام وللحياة والنظر اليها بعين الحق هو اظهاره للكم الهائل من الاوامر الالهية والتكاليف الشرعية المرتبطة بالناس وبالامة وببني البشر، ففي نظر الامام وفي اجتهاده ان الاحكام الاجتماعية ـ السياسية على انواعها وعلى اختلاف تطبيقاتها هي اكثر واعظم واخطر من الاحكام الفردية، وان هذه الاحكام الاجتماعية يجب تطبيقها ويجب الاخلاص فيها، وان على العلماء واجب احيائها وتسليط الضوء عليها، وعلى رأس هذه الاحكام موضوع النظام لتهيئة الارضية المناسبة للعبودية من جهة، ولتسيير شؤون الحياة من جهة ثانية، بحيث لا تتعارض العبودية مع اسباب الحياة وتوفيرها، ولا يتنافى السعي من اجل توفير اسباب الحياة مع التوجه الى الله والعبودية له، ولا يتم ذلك الا في ظل نظام اسلامي عادل يشارك الناس في القيام والنهوض بمتطلبات العيش، ويوفر الارضية الملائمة للتوجه الى الحق من دون عراقيل الفساد والانحراف.
ومن جملة خصائص المنهج التوحيدي للامام اظهار الجوانب الاجتماعية للاعمال الفردية، أي ان هناك آثاراً اجتماعية ضرورية للاعمال والعبادات الفردية لا بد من التأكيد عليها، فلم يقم الامام بإبراز التكاليف الاجتماعية فقط، بل ايضاً شدد على اهمية الالتزام بالابعاد الاجتماعية للسلوك الفردي، وعلى ضرورة التواصل بين الحركتين الفردية والاجتماعية، فالاخلاص الذي يظلل نية المسلم في توجهه العبادي من قيامه بالصلاة او بأية عبادة يجب ان يترشح عنه صدق في اللوازم المرتبطة بالمجتمع وبالناس، فالاسلام قائم على سريان آثار الاعمال من الفرد الى المجتمع وعلى عدم الانقطاع بينهما، وفي حال الانقطاع يثبت الخلل في العبادة او الخلل في المحيط، فإذا كان منشأ الاشكال هو عدم التفات الفرد فالمطلوب التصحيح من قبله، واذا كان المنشأ هو عدم الاهلية للمحيط فالمطلوب من الفرد تغييره، وعلى هذا الاساس فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر في سلوك الفرد مع الآخرين، وان فرض الصيام للتقوى والتي منها العدل والانصاف والرقة والحنو على الناس والايتام والمساكين، وان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو لشد ظهور المؤمنين ولاضعاف الكفر والمنافقين، وهكذا فإن لكل عمل فردي آثاراً اجتماعية لا بد من التزامها، وان احد مؤشرات الاخلاص والصدق في عبادة أي فرد يتمثل في مدى سريان روحيته واخلاصه وصدقه في ادائه وسلوكه مع الآخر، سواء كان قريبا او بعيداً.
اذن، هو منهج توحيدي متكامل اعاد الامام الخميني(قده) رسم خيوطه وابراز معالمه، انه منهج الاسلام الحق، لم يبتدعه الامام بل ان ابداعه كان في ازالة غبار السنين وتلوثات النفوس الطاغية التي منعت من رؤيته وحجبت الناس عنه. فإذاً هو حيّ بينهم لانه حق والحق لا يضيع وفي مقابله الباطل وانه لزهوق.
بلال نعيم
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1165 ـ 9 حزيران/ يونيو 2006
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018