ارشيف من : 2005-2008
فن، طب، علم نفس، شعوذة... دلالات الألوان
الانتقاد/ العهد الثقافي ـ العدد 1138 ـ2/12/2005
في العرف العام هناك تعريفات جاهزة للألوان ودلالاتها، وهي بالغالب مستوحاة من الثقافة المعيشة دون إسقاطات مقعرة أو رمزية متوارية.
الأسود رمز الحزن والكآبة، الأبيض نقاء وطهارة، الأخضر سلام والأحمر حب أو ثورة.
أما في لغة الورود فالأحمر دلالة على الحب، والأصفر على الغيرة، والأبيض على النقاء والصداقة.
وبرغم أن الأزرق من الألوان الشديدة الحضور إلا أن الثقافة الشعبية استبعدته من حساباتها فانضم الى البني والباج والليموني..
هذه وجهة نظر، وهناك نظرات أخرى سنحاول الإطلالة عليها في هذا المقال.
ألوان المعابد
أدخل الانسان القديم الألوان في طقوسة وعباداته، فظهرت الأثواب المكرسة للصلاة يغلب عليها اللون الأحمر القرمزي، والأصفر الفاتح، والأزرق السماوي، ثم استعملت تلك الألوان في طلاء جدران المعابد والهياكل المقدسة، وصار لكل لون رمز ومرتبة. في بلاد ما بين النهرين، صُنفت الألوان صنفين: أحدهما ترتديه الأسرة المالكة، وترفرف به قصورها ومقتنياتها، والآخر لعامة الشعب.
طبقية لونية
في تلك الأيام، تجسدت الطبقية من خلال الألوان، إذ كان لكل طبقة لونها المميز، الذي كان يعبّر عن انتهاجات فكرية أو روحية معينة، أو عن مراكز ومراتب حياتية ومهنية!
فاللونان البنفسجي والأحمر الأرجواني، كانا حكراً على الملوك والأمراء.
الألوان الأخضر والأصفر، والقرمزي والأزرق، كانت خاصة بالكهنة والمعابد.
أما الأطباء والعلماء، فكان البرتقالي لونهم المميز. فيما اللونان البني والرمادي، وسوى ذلك من ألوان داكنة، فكانت من نصيب عامة الشعب.
العلاج باللون
بالإضافة الى ما تقدم ذكره، استعمل كهنة بلاد ما بين النهرين، وكهنة الإغريق ومصر القديمة، الألوان كوسيلة شفائية، أو كتطبيب على نطاق عام، لما للألوان من تأثير مغناطيسي في الجسد، من خلال تأثيره في مكونات الإنسان الداخلية، أو أجسامه الباطنية غير المنظورة.
فالأحمر لإزالة الخوف من النفس، والبرتقالي لشفاء الأمراض العضوية، والأخضر لمعالجة الأمراض النفسية، والزهري لتهدئة الأعصاب ومشاعر الغضب، واللون الأزرق لتنشيط الجسم، والأصفر لتقوية الذاكرة والفكر، واللون البنفسجي "لطرد الأرواح الشريرة".
ألوان باطنية
في غضون كل ذلك، بقي الشرق الأقصى، موئل علوم باطن الإنسان ـ لا سيما بلاد الصين والهند ـ على معرفة ودراية بسرّ الألوان، وتأثيرها في النفس، فضلاً عن استعمالها في طلاء الهياكل وصباغة أثواب رجال الدين والمصلين. كما ركزت شعوب الشرق الأقصى على البعد الباطني في علم الألوان، فدرسوه ودرّسوه، بحثوا فيه وأدركوه، واستوعبوا جوانبه كافة، إلا أن هذا العلم المتكامل بقي محصوراً ضمن تلك المنطقة النائية من العالم، ولم ينتشر منه سوى النزر اليسير.
تشخيص حديث
الفنانون لا يمكنهم تشخيص أو علاج الأمراض، ولكن "دانا بوشناروفا" الرسامة التشيكية وفنانة الغرافيكس، تعتقد بقوة الألوان في منع الاصابة بالأمراض، وكتبت بوشناروفا في الصحيفة التشيكية "بوزيتيفني نوفيني" أن: "كل لون له طابعه الخاص وذبذبته المميزة التي تؤثر على العصب البصري للشخص والنظام العصبي في الجلد".
ووصفت بوشناروفا اللون بأنه: "معالج وقائي ممتاز من المرض، وحارس فعال ضد التوتر الجسدي والعقلي والشيخوخة المبكرة".
وقالت بوشناروفا ان الأخضر لون التركيز العقلي الذي يمكن أن يساعد على منع الاضطراب العصبي بالنسبة للأشخاص الذين يوجدون في مناخ متوتر مثل المكاتب المزدحمة، وأضافت أن الأزرق الداكن يخلق جواً مناسباً عندما يشعر الفرد بالحاجة الى الهدوء أو الإحساس بالطمأنينة والسلام، أما الأبيض فهو يعني الصحة والتفكير المجرد، بينما اللون الأحمر الباعث على الطاقة فهو يحارب النعاس.
ثقافة لونية
بوصفها معلمة في الجامعة وواحدة من أشهر الفنانات في جمهورية التشيك فإنه بوسع بوشناروفا (66 عاماً) أن تدلي بدلوها في هذا المجال بثقة دون أن تتوقع الكثير من النقد لآرائها.
تقول بوشناروفا انها درست وتعلمت من الاختصاصيين النفسيين وفي مجالات الصحة الأخرى، وتطبق نظريات الألوان في رسوماتها، ومن بين هؤلاء الخبراء الذين ألهموا بوشناروفا الباحث الدانماركي ينلز فنسين في القرن التاسع عشر الذي أدت دراسته للضوء والإشعاع في معالجة الأمراض الى فوزه بجائزة نوبل للطب عام 1903، ومنذ عصر فنسين اكتشف العديد من الباحثين أن اللون له أثر على الصحة، والحال المزاجية والعصبة للشخص، وكذلك مشاعره.
جن أزرق
يدخل اللون في الكثير من جملنا اليومية دون أن نتوقف أو ننتبه الى الدلالة التي يعبّر عنها فنقول: "الجن الأزرق"، "الدبان الأزرق"، "القلب الأسود أو الأبيض"، "عينو بيضا"، و"جو أصفر"، "جهنّم الحمرا" الخ..
إنه اللون، الحاضر في حياتنا بملايين التدرجات، فلنحاول أن ننظر اليه هذه المرة من زاوية مختلفة: طب، علم نفس، طبقية أو شعوذة!
عبد الحليم حمود
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018