ارشيف من : 2005-2008

فاطمة المعصومة، كريمة أهل البيت

فاطمة المعصومة، كريمة أهل البيت

الانتقاد/ العهد الثقافي ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

هي ابنة الإمام موسى بن جعفر (ع) ـ أحد الأئمة المعصومين من أهل البيت (ع) الذي تنتمي إليه السلالة الموسوية، أما أٌمها، فاسمها "تكتم". وهي وإن كانت جارية إلا أن لها من الفضل والجلال والعفّة والعبادة ما فاقت به نساء زمانها، وهي عندما أنجبت الرضا (ع) وكان كما تصفه الروايات يرتضع كثيراً قالت: أعينوني بمرضعة، فقيل لها: أنقص الدرّ؟ فقالت: لا أكذب، والله ما نقص, ولكن عليّ ورد من صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ ولدت. فكانت بذلك قرينة لإمام معصوم، وأمّاً لإمام معصوم.‏

ولادتها‏

ولدت سليلة الطهر والعفاف فاطمة المعصومة، في غرّة شهر ذي القعدة سنة 173هـ وبناءً على هذا التاريخ تكون السيدة فاطمة قد عاشت مع أبيها عشر سنوات، غير أنّ السنين الأربع الأخيرة من عمره (ع) كان فيها رهين السجون العباسية فلم تحظ منه إلا بست سنوات.‏

وما كانت السيدة فاطمة المعصومة لتبقى مهملة بلا كفيل، فإنّها وإن فقدت أباها وهي في مقتبل العمر إلا أنّها عاشت في كنف شقيقها الرضا (ع)، أكثر من عشرين عاماً على أقل تقدير، وكان عمرها آنذاك سبعة وعشرين عاماً. فأخذت عنه العلم والمعرفة والفضائل والمناقب، حتى غدت ذات شأن عند الله تعالى كما جاء في زيارتها (ع).‏

المعصومة‏

وقدعرفت بـ"المعصومة". واقترن هذا الإسم بها، فيقال في الأعمّ الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمّها الكبرى: فاطمة الزهراء (ع).‏

وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا (ع) حيث قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني.‏

ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدلّ على أنّ السيدة فاطمة (ع) قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سمّاها الإمام (ع) بالمعصومة.‏

كريمة أهل البيت‏

وعرفت كذلك بـ"كريمة أهل البيت"، دون سائر نساء أهل البيت(ع).‏

وقد اشتهر الإمام الحسن المجتبى (ع) بمثل هذا اللقب من دون سائر الرجال، فكان يقال له كريم أهل البيت.‏

وقد أطلقه عليها الإمام المعصوم (ع) في قصّة وقعت لأحد السادة الأجلاّء وقال له: "عليك بكريمة أهل البيت" مشيراً إلى هذه السيدة الجليلة، ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور على شأن فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (ع)، فإنّ أهل البيت (ع) قد جمعوا غرّ الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل. وإنّ من أبرز مظاهر كرمها أن مثواها المقدس كان ولا يزال منبعاً للفيض، وملاذاً للناس، ومأمناً للعباد، ومستجاراً للخلق، وباباً من أبواب الرحمة الإلهية للقاصدين، وأنّ مدينة قم حيث تضمّ مرقدها الطاهر كانت ولا تزال حاضرة العلم، وحرم الأئمة (عليهم السلام).‏

وعلى أي حال، ففي تسميتها بفاطمة ووصفها بالمعصومة وكريمة أهل البيت (ع) من قبل المعصومين دلالة على المقام الرفيع الذي بلغته هذه السيدة من آل محمد (صلّى الله عليه وآله).‏

هذا، وقد نوّه الأئمة (ع) بمكانتها ومنزلتها قبل ولادتها، وبعد أن ولدت وتوفيت.‏

وفي رواية عن أبي عبد الله الصادق (ع): ألا إن لله حرماً وهو مكّة. ألا إن لرسول الله حرماً وهو المدينة. ألا إنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة. ألا إنّ حرمي وحرم ولدي بعدي قم. إلا إنّ قم، الكوفة الصغيرة. ألا إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم، تقبض فيها امرأة من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنّة ...".‏

وفي رواية أن الإمام الرضا (ع) قال لسعد الأشعري القمي: يا سعد عندكم لنا قبر، قلت له: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى (ع)، قال: نعم، من زاره عارفاً بحقّها فله الجنّة.‏

غربتها‏

شاءت المقادير الإلهية أن ترحل عن هذه الدنيا في بلدة نائية عن موطن الآباء والأجداد, ولمّا يتجاوز عمرها الشريف الثلاثين ربيعاً، وما أفلت تلك الشمس التي أطلت على مدينة قم بعد سبعة عشر يوماً من دخولها إليها إلا لتشرق من جديد، وليكون مثواها موئلاً وملاذاً ومطافاً، ويكون حرمها مصدر خير وبركة لمن يقصدها من سائر البلدان من شتّى بقاع الأرض، منذ يوم وفاتها وإلى يوم الناس هذا،‏

حيث يلوذون بقربها ويتوسّلون بها إلى الله، فلا يصدرون إلا بالفرج والخير والإجابة. وقد ورد في العديد من الروايات التأكيد على زيارتها، وأنّ الله تعالى قد جعل الجنّة ثواباً لمن زارها، ومن تلك الروايات ما تقدم ذكره عن الإمام الصادق(ع)، ومنها ما روي عنه (ع) أيضاً أنه قال: إنّ زيارتها تعدل الجنّة.‏

كراماتها‏

وقد تواتر نقل الحوادث المختلفة، حتى أصبح من المألوف أن يسمع الإنسان عن كرامة للسيدة فاطمة المعصومة (ع) في شفاء مرض مستعصٍ قد عجز الأطباء عن علاجه، أو نجاة من هلكة تبدو محقّقة الوقوع، أو استجابة دعاء صالح يُرى أنّه بعيد الاستجابة، أو قضاء حاجة تبدو مستحيلة، أو حلّ مسألة علميّة معضلة لا يظهر وجهها، وغير ذلك من القضايا والحوادث، هذا، وقد أحصى بعض الباحثين بعض كرامات السيدة المعصومة فعدّ منها مئة كرامة. فمنها: ما كتبه العالم والخطيب القدير الشيخ جوانمرد، ومنها: ما نقله الميرزا موسى فراهاني عن مسؤول حراسة حرم السيدة المعصومة (ع) ومنها: ما نقل متواتراً عن المحروم السيد محمد الرضوي أحد خدّام الحرم المطهّر، ومنها: ما نقله من كتاب قصص العلماء للميرزا الحاج محمد التنكابني المتوفى سنة 1302هـ، ومنها: ما نقل عن المرحوم الحاج الشيخ محمود علمي الذي كان متولياً على المدرسة الفيضية من قبل آية الله البروجردي، ومنها: ما نقله عن صاحب كتاب "أنوار المشعشعين".‏

اسماعيل زلغوط‏

2006-10-30