ارشيف من : 2005-2008

دار الغفلة

دار الغفلة

الانتقاد/ نقطة حبر ـ العدد 1138 ـ2/12/2005‏

إذا كان العلاّمة الحلي قد ذهب في كتابه "نهاية الأحكام" إلى أن "الغفلة عن الحق تبارك وتعالى عارضة للإنسان في أكثر أحواله، وحتى في الصلاة"، فإن الغافل عن حقيقة هذا الوجود ـ مبتدئه ومنتهاه ـ وخالقه العظيم الأعظم من كل عظيم، وكيف أنه وجود حقيقي عيني له صانع لم يخلق ما خلق عبثاً ولا لهواً ولا باطلاً، هو الساهي والنائم عن الحقيقة الكبرى التي تنبع منها كل الحقائق الوجودية. إنه المغمى عليه إزاء هدايا الله تقدست أسماؤه وعلا شأنه علواً كبيراً. وهدايا الله إلينا نحن أرباب الغفلة هي الإشارات الدالّة عليه من بدائع خلقه وعجائب صنعه".‏

الغفلة عن الله هي الإعراض عن التأمل في خلق السماوات بمجرّاتها ونجومها وكواكبها وأقمارها، والأرض بمحيطاتها وبحارها وأنهارها وجبالها وأشجارها السامقة الملتفة على ذاتها, الأشجار بأثمارها ومذاقاتها المحيّرة وأزهارها وأشكالها وألوانها وروائحها الآتية من عدم..‏

الله.. خالق الليل والنهار الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل.. خالق الفلك التي تجري في البحر, خالق الماء النازل من السماء فتحيى به الأرض بعد موتها.. الماء الفرات السائغ شرابه, والماء المالح الأجاج.‏

الله.. الذي بثّ في الأرض من كل دابةٍ وصرّف الريح والسحاب المسخّر بين الأرض والسماء..‏

الله.. الذي خلقنا من تراب ثم من نطفة ثم جعلنا أزواجاً..‏

الذي ما نظر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) إلى شيء إلاّ رآه وراءه وفيه وقبله وبعده.‏

الغفلة بحر وراءه بحر، ووراءهما بحار.. تمتد بحار الغفلة وتترامى أطرافها ولا تتدانى شطآنها القصيّة. ونحن غرقى وما من "منقذ من الضلال" سوى عناية الله ولطفه.‏

الغفلة ظلام يغلفه ظلام, يغلّفه ظلام.. الغفلة دار، دار الأطفال الذين يلهون على أعتابها غافلين عن حقيقة أن هذه الحياة الدنيا هي ولعب، وأن الحياة الآخرة هي دار القرار.‏

حسن نعيم‏

2006-10-30