ارشيف من : 2005-2008
الحالة الاسلامية الراهنة :التفكر والتطرف
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1137 ـ 25/11/2005
صالح الورداني
الحالة الاسلامية الراهنة تحتاج الى مراجعة وتشريح...
وعملية المراجعة والتشريح ليست محل اجماع من قبل الاسلاميين، وهي عملية شائكة تشوبها الكثير من المحاذير، وتحيط بها المخاوف، وتتطلب وجود أدوات ربما لا تتوافر في كثير من الذين تصدوا لهذه العملية... وقد لاقت هذه العملية معارضة شديدة من الوسط الاسلامي الذي يهيمن عليه عقل الماضي، ويفتقد الى الرؤية الواعية للحاضر..
إلا أنه يمكن القول إن هذه المعارضة آخذة في التراجع نتيجة للمتغيرات المتلاحقة التي فرضت نفسها على واقع الاسلاميين، ودفعت ببعضهم الى الاسراع بحركة تصحيح المسار الاسلامي..
وأول متطلبات حركة التصحيح تحديد أوجه الخلل الكامنة في هذا المسار، الأمر الذي يتطلب المساس بمفاهيم وموروثات وعقائد محل قداسة وتسليم التيارات الاسلامية وخلخلتها.
لقد فرضت هذه التيارات نماذج مختلفة من الاطروحات والتصورات نتجت عنها حالات من الممارسة والتطبيق انعكست على صورة الاسلام الذي ترفع رايته هذه التيارات..
وتحولت صورة الاسلام على يد هذه التيارات الى صورة مخيفة مفزعة وضعتنا بين أمرين:
الأول: أن يكون الخلل من الاسلام.
الثاني: ان يكون الخلل من هذه التيارات.
وحتى تتضح الصورة أمام القارئ سوف نعرض الحالة الاسلامية من خلال دوائر ثلاث:
1 ـ حالة التيارات.
2 ـ حالة الطرح والتفكر.
3 ـ حالة الممارسة والتطبيق.
ـ حالة التيارات:
تسود الواقع الاسلامي العديد من التيارات المتعددة الأوجه المختلفة المنطلقات المتناحرة فيما بينها، وقد عجزت هذه التيارات عن تحقيق حالة السلام والوئام فيما بينها، ودخلت في صراعات وصدامات حادة مع بعضها تجاوزت حدود الفتاوى والبيانات لتدخل في دائرة المعارك والاشتباكات الدموية التي كان الخاسر فيها هو الاسلام.
وأول هذه التيارات هو تيار الاخوان المسلمين.
ويعد هذا التيار الوعاء الذي تفرخت منه جميع التيارات الأخرى بداية بالقطبيين ونهاية بالجهاد..
وهو تيار يمر اليوم بحالة تراجع بعد أن تجاوزته التيارات الأخرى واصطدمت به، وان كان يحاول تغيير جلده الا أن محاولاته هذه لم تحقق النجاح.
وكانت محاولات الاخوان التبرؤ من العنف والتطرف اللذين ارتبطا به في السابق، وارتبطا بالتيارات الأخرى في اللاحق، التي لم تنف عنهم صناعة هذا العنف ودعمه.. والسؤال هنا: ما مدى تأثير تيار الاخوان في الحالة الاسلامية الراهنة؟
والجواب ان الاخوان فقدوا هذا التأثير بعد مرحلة حسن البنا حين برز سيد قطب بطرحه المناقض لطرح البنا المؤسس، وجذب معه الجيل الجديد من شباب الاخوان...
وحين برز تيار التكفير من تحت عباءتهم من فترة الستينيات داخل المعتقلات، وأعلن تمرده عليهم وعلى الأطروحة السلفية.. وحين تمردت عليهم التيارات السلفية والجهادية من فترة السبعينيات التي تحالفوا فيها مع نظام السادات.
ولعب الاخوان دوراً بارزاً من افغانستان التي أصبحت فيما بعد قاعدة لتصدير الارهاب للعالم.
وبقى عليهم أن يعترفوا بأخطائهم ويصححوا مسارهم وهو ما تحول دون تحقيقه مصالحهم وارتباطاتهم..
أما التيار السلفي الذي برز بقوة مع المرحلة النفطية فقد شكل تحدياً كبيراً للتيارات الأخرى، وذلك لكونه يرتدي عباءة السلف الذين يمثلون جاذبية كبيرة للمسلمين، ولا يتبنى المفاهيم الحركية والسياسية التي تضررت بها التيارات الأخرى..
إلا أن الطرح السلفي الذي أبرزه هذا التيار شكل المصدر الشرعي لتبرير العنف فيما بعد، فكما حمل هذا الطرح الوجه المعتدل الذي تبناه هذا التيار، حمل أيضاً الوجه المتطرف الشديد العداء للآخر، ذلك الوجه الذي برز بقوة مع طرح ابن تيمية الذي قامت ببعثة الحركة الوهابية، وهو الوجه الذي انجذبت نحوه التيارات المتطرفة واعتبرته السند الشرعي لها..
ويمكن القول ان الطرح السلفي شكل الغطاء الشرعي لكل صور العنف التي برزت على الساحة الاسلامية وخارجها، وهو لا يزال يلعب هذا الدور حتى الآن، والحديث عن الطرح السلفي يقودنا الى تيار الجهاد الذي تبنى هذا الطرح واستمد منه مشروعية الصدام مع الواقع..
وقد خطف هذا التيار الأضواء من التيارات الأخرى على الرغم من كونه ضعيف الجذور من الجانب الشرعي والشعبي، الا أن هناك العديد من العوامل السياسية التي ساعدته على البروز بقوة، ودعمته ليستمر ويبقى ما بقيت مصالح القوى الداعمة التي انقلبت عليه اليوم وتسعى لاستئصاله والقضاء عليه...
وهناك العديد من التيارات الأخرى لكنها تمثل فروعاً لهذه التيارات الثلاثة، وهي في حالة تكاثر دائمة تشكل أزمة كبيرة للحالة الاسلامية الراهنة..
حالة الطرح والتفكر
هيمن عقل الماضي على اطروحات التيارات الاسلامية، ونتج عن هذه الهيمنة ان قويت النزعة العدائية للواقع، ما برر لهذه التيارات الصدام معه. لقد فاقت تأثيرات الماضي تأثيرات الحاضر على الحالة الاسلامية الراهنة، ولعب السلف والروايات دوراً فاعلاً في صياغة الأطر الفكرية والعقائدية للتيارات الاسلامية، وكانت الهوة التي تزداد اتساعاً بين الواقع المعاصر والاسلام قد دفعت بهذه التيارات نحو الماضي بقوة بحثاً عن المثالية والقدوة الحسنة من واقع السلف بعد أن افتقدتها من واقع الخلف.
من هنا فقد أسهمت العديد من الروايات المنسوبة للرسول (ص) بالاضافة الى النصوص السلفية التي ارتبطت بهذه الروايات على لسان الفقهاء محل ثقة التيارات الاسلامية، أسهمت بصورة مباشرة في دعم حالة التطرف والعدوانية السائدة، ومثل هذه الروايات والنصوص اصبحت المستند الشرعي للعنف والقتال وإراقة الدماء السائدة، من واقع المسلمين وغير المسلمين، من قبل هذه التيارات.
وهي المستند من عدم الاعتراف بالآخر من المسلمين وغير المسلمين.
كذلك أدت هذه الروايات بالتيارات الاسلامية الى تبني رؤى متخلفة مثل: المرأة ونتاجات العصر، مثل الصور والتمثيل وشتى الفنون، وصور الابداع التي دخلت جميعها في دائرة البدع والمحرمات.
وجاءت تفسيرات السلف لهذه الروايات لتعطيها بعداً آخر هو أشد تطرفاً وتبريراً للعنف.
إننا ندرك مدى تأثير هذه الروايات والنصوص والفتاوى على الحالة الاسلامية الراهنة، ومدى تأثيرها في دفع الشباب المحبط نحو العمليات الانتحارية، هذه العمليات التي تجد ما يبررها من ذلك الفقه السائد النابع من المواريث السلفية.
ـ حالة الممارسة والتطبيق
كانت هناك العديد من صور التطبيق المتطرف للنصوص والممارسات العدوانية ضد المخالفين ازدحم بها واقع السلف..
وقد رصدت لنا كتب التاريخ العديد من هذه الصور، كما رصدت لنا كتب السلف خاصة كتب الحنابلة المتقدمين أمثال إمامهم ابن حنبل والحنابلة المتأخرين أمثال ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، كذلك كتب محمد بن عبد الوهاب مجدد الخط الحنبلي المتطرف، حيث رصدت لنا هذه الكتب العديد من هذه الصور التي اعتمدتها التيارات الاسلامية المعاصرة، وقامت بتطبيقها على ساحة الواقع من مصر وافغانستان وباكستان والجزائر واليمن والعراق والجزيرة العربية وغيرها من بقاع العالم.
من هنا برز مأزق هذه التيارات التي سقطت ضحية هذا الطرح، وقذفت به على ساحة الواقع بقوة دون حساب للنتائج المترتبة على هذا التطبيق العشوائي، ذلك المأزق الذي صور لها ان هذا التطبيق انما هو تطبيق لشرع الله، وان هذه الممارسات المتولدة منه انما هي في سبيل الله.
ومن هنا أيضاً يتبين لنا ان الخلل انما يكمن من هذا الطرح، الذي هو وليد الروايات وأقوال السلف، أو بتعبير آخر ان الخلل انما يكمن في التراث، والتراث هو النتاج الحادث بعد النص (القرآن)
والنص هو المعبر عن الدين..
والتراث انما يعبر عن الرجال.
وتلك هي الأزمة ان التيارات الاسلامية المعاصرة انما هي تعبر عن تراث لا عن دين، فإن الدين يحمل حقائق ثابتة تقوم على الرحمة والعدل والانصاف واحترام الآخر وحرية الاعتقاد..
وهي حقائق تنطق بها نصوص القرآن.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018