ارشيف من : 2005-2008

الإسلاميون في مجتمع تعددي

الإسلاميون في مجتمع تعددي

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1135 ـ 11/11/2005‏

يستهدف كتاب الإسلاميون في مجتمع تعددي للدكتور مسعود أسد اللهي الصادر عن الدار العربية للعلوم، تبيان صدق المقولة التالية: "أن الحركات الاسلامية في مواقفها وممارساتها لا تتأثر فقط بالمبادئ والقيم الدينية، وانما ايضاً بخصوصيات مجتمعاتها وظروفها، وأنها على المدى البعيد لتحركها، تتكيف مع واقع المجتمع الذي تنشط فيه"، وذلك باتخاذ الباحث "تجربة حزب الله" في لبنان نموذجاً ميدانياً لبحثه، حيث يستعرض تاريخ حزب الله وظروف تنامي قدرته وتأثيره وصولاً الى تمكنه من دحر الاحتلال الاسرائيلي عن جنوب لبنان في أيار من العام 2000 م، بموازاة الكشف عن العوامل والأسباب التي أدت بحزب الله الى تكييف سياساته ومواقفه المتعلقة بالداخل اللبناني، دولة ومجتمعاً.‏

يتخذ الكتاب منحى جديداً عما سبقه من كتابات في موضوعه، بابتعاده من ناحية عن التوثيق العادي للمحطات الرئيسية لحركة حزب الله، أو الترويج الحماسي له، واعتماده من ناحية ثانية مقاربة علمية أكاديمية تستند الى أحدث النظريات السياسية في علم الاجتماع السياسي والتي تقوم على مقولتي "العمل الجماعي" و"الديمقراطية التوافقية". وقد ساعد هذا المنهج الباحث في الاستفادة بشكل دقيق من مختلف الكتابات والمصادر التي تحدثت عن حزب الله "بالعربية" و"الاجنبية" فضلاً عن المقابلات الشخصية أو المشاهدات الحية لبعض أنشطة حزب الله التي حضرها بنفسه.‏

يذكر أن الكتاب حصل على جائزة أفضل كتاب لعام 2000م من وزارة الاعلام في ايران.‏

يستهل الباحث عمله بإشارة مجملة الى حالة الحركات الاسلامية في الثمانينيات قائلاً: "لقد بلغت "الحالة الاسلامية" في العالم الاسلامي أوجها في العقد الثامن من القرن العشرين. فقد أقدمت مجموعات الاسلام السياسي على أعمال عديدة، وقامت بمحاولات تهدف الى اسقاط أنظمة الحكم القائمة في بلدانها وإقامة حكومات اسلامية مكانها. وقد شهدت بلدان اسلامية عديدة وبخاصة العربية منها، ولادة مثل هذه المجموعات وظهور شخصيات بارزة، نذكر على سبيل المثال "جماعة الاخوان المسلمين" في سوريا، ومجموعة "التكفير والهجرة" في مصر، و"حركة الاتجاه الاسلامي" في تونس (راشد الغنوشي) و"جبهة الانقاذ الاسلامية" في الجزائر، و"جماعة حسن الترابي" في السودان، ومجموعة "الجهيمان العتيبي" في المملكة العربية السعودية، والمجموعات الاسلامية الافغانية والأحزاب الاسلامية الباكستانية، وغيرها.‏

وعلى الرغم من اشتراك هذه المجموعات الاسلامية في معظم الأصول والمبادئ الايديولوجية وكذلك في التوجهات المهمة الأساسية، الا أنها تختلف من بلد الى آخر، وهي شديدة التنوع: "جان إل اسبوزيتو" الباحث في شؤون الشرق الأوسط يعتقد أن تحديات الاسلام السياسي خلقت اتجاهاً سياسياً ـ ايديولوجياً واسعاً، هو حتماً أكثر تأثراً بالظروف المحلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية منه بالمبادئ الاعتقادية والمذهبية".‏

يضيف الباحث مبيناً على الرغم من أن النظام العقائدي يهيئ الدافع الأساسي لمشاركة الأفراد في الحركات السياسية ـ الدينية والعمل الجماعي الاسلامي، إلا أن أشكال هذا العمل الجماعي واتجاهاته السياسية لم تكن متشابهة دائماً من حيث استخدام العنف أو الطرق السلمية. ان اتجاه الأعمال الجماعية الاسلامية نحو هذا الشكل أو ذاك يضيف المؤلف: مرتبط بميزان وبدرجة تأثير المتغيرات المتعددة والمتنوعة السياسية منها والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والتي يمكن تصنيفها الى متغيرات "التسهيل" ومتغيرات "الضبط" للعنف.‏

تتضمن متغيرات التسهيل بحسب المؤلف العناصر التالية: التعاليم القيمية والعقائدية، التقاليد والسوابق التاريخية، السلطة التنظيمية والمؤسساتية للجماعة ـ علمانية النظام القائم ـ ممارسات النظام القمعية والضاغطة بخصوص شكل العمل سلماً أو عنفاً، والضاغطة على الجماعات السياسية خارج السلطة الرسمية ـ التدخل الاجنبي في شؤون البلد والنظام والاعتداءات الخارجية. أما متغيرات الضبط التي تخفف من حدة العمل الجماعي الراديكالي وتؤثر في تحويله الى تحرك سلمي فهي التالية: تغير النظام العالمي، نظام القطبين، وانتهاء الحرب الباردة بينهما ـ انتهاء الحروب الاهلية والاقليمية التي كانت الجماعات الاسلامية أحد أطرافها أو الداعم أحد أطرافها، حالة السلم التي سادت بين الدول العربية و"اسرائيل" على ضوء المعاهدات السلمية بين الطرفين والاصلاحات والانفتاح الاقتصادي والاستقرار السياسي والمشاركة السياسية.‏

من بين هذه المتغيرات للضبط يرى الباحث أن متغير الاستقرار السياسي والمشاركة السياسية يستحوذ على الدور الاقوى تأثيراً على شكل العمل الجماعي للحركات الاسلامية، يتابع المؤلف موضحاً: قد أرخت التجربة السياسية لحكم حسني مبارك في مصر خلال الثمانينيات الى تحقيق عنف الاسلاميين وتقوية العمل الجماعي السلمي للاخوان المسلمين. وهذه القضية نفسها حصلت في الاردن، حيث ظهر على المسرح السياسي الاسلامي سياسي معتدل منذ العام 1989، كما ان الحضور الكاسح لحزب "الرفاه" في السياسة التركية طيلة الثمانينيات والتسعينيات يدل على أهمية وجود الاستقرار والمشاركة السياسية ودورهما في تعيين شكل العمل الجماعي الاسلامي.‏

وفي لبنان يعتبر توقيع "اتفاق الطائف" والعمل من ثم على تنفيذ بنوده تحولاً مصيرياً لتنظيم حزب الله ولغيره من التنظيمات والأحزاب اللبنانية وللمجتمع اللبناني عامة، فهو وضع نقطة النهاية للحرب الأهلية التي استمرت خمس عشرة سنة، ومهّد الأرضية الملائمة لتجريد الأحزاب والميليشيات من الأسلحة وسط سلطة الحكومة المركزية، وحكم القانون. ان اتفاق الطائف يشكل محطة انعطاف كبرى بين مرحلتين يمكن وصفهما بمرحلة ما قبل "الطائف" ومرحلة ما بعد الطائف، ان التغيرات التي طرأت على حزب الله جراء هذا الاتفاق جعلت صورته مختلفة كثيراً عما قبله.‏

يضيف الباحث واصفاً حالة حزب الله في عقد الثمانينيات بالقول: كان حزب الله في الثمانينيات وقبل اتفاق الطائف من أكثر التنظيمات السياسية في العالم الاسلامي راديكالية وثورية، وقد تمظهرت بحسب الباحث هذه الراديكالية التي مارسها حزب الله في تلك المرحلة بالمواقف التي تضمنتها الرسالة المفتوحة التي أعلنها حزب الله على الملأ في شباط العام 1985 وتالياً بالممارسات التي جسدت هذه المواقف.‏

أما في التسعينيات، وتحديداً في بداياتها فترتسم أمام الباحث صورة مغايرة لتلك التي شاهدناها للتو: "بدأ وجه حزب الله يتغير بالتدريج، وتحوّل هذا الحزب "السري" و"الراديكالي" خلال مدة قصيرة الى حزب سياسي علني على الساحة السياسية الداخلية في لبنان، يراعي قواعد اللعبة الديمقراطية، ولقد أثارت تحولات هذا الحزب في التسعينيات اعجاب المحللين والمراقبين لشؤون الشرق الأوسط. يتابع المؤلف قائلاً: يقول "ماغنوس رانتسورب" الباحث في مركز الدراسات الحربية والارهابية في انجلترا: "ان حزب الله شاهد حي على قدرة الحركات الاسلامية الثورية على التطور والنضج بمرور الزمان".‏

يقول المؤلف متابعاً: "ان التغيير والتحول الذي أصاب حزب الله، لم يكن مثار إعجاب المراقبين الغربيين وحدهم، وانما أيضاً كتاب وشخصيات لبنانيين، فالكاتب والصحافي اللبناني "نصير الأسعد" يعتقد "أن حزب الله تحول اليوم الى حزب واقعي ومنطقي. والدكتور سليم الحص رئيس الوزراء اللبناني الأسبق يقول بهذا الخصوص: "ان حزب الله، حزب مسؤول، ذو قيادة حكيمة، والحكومة اللبنانية تتعاون مع هذا الحزب تعاوناً غير محدود، لثقتها بهذا الحزب، وسيكون لحزب الله دور مهم في المستقبل في الساحتين الاجتماعية والثقافية في لبنان".‏

اسماعيل زلغوط‏

2006-10-30