ارشيف من : 2005-2008
مقامات أهل السلوك
اعلم أن لأهل السلوك في هذا المقام وسائر المقامات مراتب ومدارج لا تحصى. ونحن نذكر بعض مراتبه على النحو الكلي، وأما الاحاطة بجميع جوانبه وإحصاء جميع مراتبه فخارج عن عهدتي وفوق طاقتي، فإن "الطرق الى الله بعدد أنفاس الخلائق".
فمن تلك المراتب مرتبة العلم، وهي أن يثبت بالسلوك العلمي والبرهان الفلسفي ذلة العبودية وعزة الربوبية، وهذا لبّ من لباب المعارف، فقد اتضح في العلوم العالية والحكمة المتعالية ان جميع دار التحقق وتمام دائرة الوجود انما هو صرف الربط والتعلق ومحض الفقر والفاقة، أما العزّة والملك والسلطان فمختصة بذاته المقدس الكبريائي وليس لأحد من حظوظ العزة والكبرياء نصيب.
وذل العبودية والفقر ثابت في ناصيتهم وفي حاقّ حقيقتهم، وانما حقيقة العرفان والشهود ونتيجة الرياضة والسلوك هي رفع الحجاب عن وجه الحقيقة ورؤية ذل العبودية وأصل الفقر والتدلي في نفسه وفي جميع الموجودات، ولعل في الدعاء المنسوب الى سيد الكائنات (ص): "اللهم أرني الأشياء كما هي" اشارة الى هذا المقام بمعنى أنه (ص) سأل الله سبحانه أن يشهده ذلة العبودية المستلزمة لشهود عزّ الربوبية.
فسالك طريق الحقيقة ومسافر سبيل العبودية اذا قطع هذا المنزل بالسلوك العلمي وركب مركب السير الفكري يقع في حجاب العلم، ويصل الى المقام الأول للانسانية، ولكن هذا الحجاب من الحجب الغليظة وقد قالوا: العلم هو الحجاب الأكبر ولا بد ألا يبقى في هذا الحجاب، وأن يخرقه، ولعله اذا اقتنع بهذا المقام وسجن قلبه في هذا القيد يقع في الاستدراج، والاستدراج في هذا المقام هو أن يشتغل بالتفريعات الكثيرة العلمية ويجوّل فكره في هذا الميدان، فيقيم لهذا المقصد براهين كثيرة فيحرم من المنازل الأخرى، ويتعلق قلبه بهذا المقام، ويغفل عن النتيجة المطلوبة، وهي الوصول الى الفناء في الله، ويصرف عمره في حجاب البرهان وشعبه، وكلما كثرت الفروع يصير الحجاب والاحتجاب عن الحقيقة أكثر.
(*) من كتاب الآداب المعنوية للصلاة للإمام الخميني (قده)
الانتقاد/ نور الولاية ـ العدد 1136 ـ 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018