ارشيف من : 2005-2008

مثلث الهيمنة على الرأي العام:مال، إعلام وسلطة

مثلث الهيمنة على الرأي العام:مال، إعلام وسلطة

ثمة عناوين لا بد إلا ان تتشابك لتؤلف الجملة المناسبة، فرجل الاعمال يحتاج الى دعم السلطة وتسهيلاتها كما إنه بحاجة الى حماية ظهره والترويج لنفسه ولأعماله عبر وسائل الاعلام. وهذه المعادلة ان طبقت مع أثرياء كبار كرئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلوسكوني فإنها قد خلت من العنوان السياسي المباشر مع ميردوخ صاحب الامبراطورية الاعلامية الضخمة، والمكسيكي ايميليو أزكار غاميلمو والتركي ايدين دوغان، وفي العالم العربي يبرز صالح كامل والوليد بن طلال. هنا اطلالة على عينات من النموذجين.‏

برلوسكوني‏

نجح سيد الاعلام في ايطاليا الذي يقلب بـ"صاحب البثّ" (تلاعب لفظي ايطالي على وزن صاحب النيافة) في دفع الايطاليين الى نسيان ماضيه المثقل بالتهم والتحقيقات القضائية في ثلاثة بلدان أوروبية دفعة واحدة، فالأخطبوط أو "الفارس" وهو اللقب المحبب لبرلوسكوني، جعل من التسويق والترويج للأشخاص بديلاً للبرامج والأفكار والطروحات السياسية المتماسكة.‏

يحاول برلوسكوني أن يقدم نفسه كضحية دوماً لاستدرار العطف الشعبي عليه، وذلك بمساعدة فعّالة من محطات التلفزة الثلاث (أي مجمل المحطات التلفزيونية الخاصة في البلاد) والصحف التي يملكها.‏

ركزت دعاية برلوسكوني على الترويج للنجاحات التي حققها في كل ميدان دخله، ابتداءً من قطاع البناء، ومروراً بالقطاعين الاعلامي والاعلاني، ووصولاً الى الرياضة.‏

دوماً تعمد وسائله الاعلامية المتعددة الى تبييض أدائه السياسي خلال فترات حكمه السابقة بالقول تارة إن حلفاءه طعنوه في الظهر، وطوراً أنه لم يعط فرصة لحكم البلاد وتحقيق المعجزات التي وعد بها.‏

الامبراطورية‏

تشمل امبراطورية برلوسكوني المحطات التلفزيونية الخاصة الثلاث في ايطاليا ودار "موندادوري" للنشر وصحيفتي "إيل جورنالي" و"إيل فوليو"، وعدداً من المجلات والصحف المحلية وشركة "نيوميديا" للاستثمار في قطاع الانترنت التي تملك العديد من شركات خدمات الانترنت. هذا غير الاستثمارات الأخرى في القطاع العقاري وحتى الرياضي فهو مالك نادي "آي.سي.ميلانو".‏

بحسب صحيفة "فوربس" سنة 2001 يعتبر برلوسكوني أغنى رجل في ايطاليا والثالث في أوروبا والثالث عشر على الصعيد العالمي.‏

بلا منافس‏

في 26 ـ 1 ـ 1994 ظهر بيرلوسكوني على شاشات قنواته الثلاث ليعلن، وهو القادم من قلب طبقة رجال الاعمال، تشكيل حزب سياسي ورغبته في أن يتولى منصب رئيس الوزراء في ايطاليا، تقدم الى الجماهير في ايطاليا باعتباره أكبر مالك للأراضي في ايطاليا وأغنى رجل فيها وصاحب أوسع امبراطورية اعلامية. وبالفعل اهتز الكيان السياسي هناك تحت وقع هذه الهجمة، وشعر أكثر المراقبين السياسيين أن الرجل آتٍ لا محال، فقد امتلك الهواء وتسلل الى جميع البيوت، وفي ذلك اليوم شاهده على الأقل 45% من مشاهدي التلفزيون في ايطاليا، وما كان يمكن لأحد أن يتجاهله اذ كان يكفي أن تغير القناة الى قناة أخرى لتجده فيها، وإذا انتقلت الى قناة ثالثة لوجدته كذلك عليها.‏

عرضت هذه الهيمنة الاعلامية برلوسكوني للكثير من النقد من أحزاب المعارضة، وكان رده أن وضع أولاده على رأس شركاته التلفزيونية، ووضع زوجته على رأس المؤسسات الصحافية بكل ما يحمل هذه الاجراء من استهانة بالرأي العام في ايطاليا وبأصول الديموقراطية.‏

أيدي دوغان‏

امبراطور الاعلام التركي وأحد ملوك الصناعة والتجارة. فبعد أن كان يخطط لإدارة مزرعة عائلته في بلدة كلكيت في الشرق التركي، حيث كان والده اليساري يتولى رئاسة البلدية، اختار أيدين دوغان وهو لا يزال طالباً في اكاديمية الاقتصاد والتجارة في اسطنبول، خوض غمار التجارة، فبدأ بتجارة السيارات التي أفضت به الى العمل موزعاً لشاحنات "فورد"، وجمع مليونه الأول وهو في مقتبل العشرينيات من عمره، ثم توسعت أنشطته في شتى الميادين التي تدر مالاً.‏

في قطاع الاعلام تحديداً، برز نجم دوغان كأسطع ما يكون على المستويين التركي والاوروبي، علماً بأن فرصته لدخول عالم الاعلام في سنة 1979 جاءت كصاعقة في سماء صاخبة إذ وافته من غير اتفاق حين عرض عليه صاحب "ميلييت" خلال مأدبة عشاء أن يبيعه صحيفة في مقابل 30 مليون دولار، فكان شراء دوغان للصحيفة اللبنة الأولى في عمارة اعلامية شيدها طبقة فوق طبقة بسبع صحف يومية أبرزها "حرييت" و"ميلييت" ومحطة تلفزيونية هي "كانال دي" ومحطات اذاعية وعدد من المجلات.‏

تنافس‏

دخول "دوغان" دنيا الاعلام من أوسع أبوابها أدخله أيضاً عالم التنافس والخصومة المريرة مع آل أوزان الذين كانوا مع أحمد أوزال، نجل رئيس الوزراء السابق تورغوت أوزال أول من أنشأ قناة تلفزيونية خاصة "انتر ستار" في تركيا سنة 1990.‏

وقد دخل دوغان معترك الاعلام التلفزيوني عندما شرعنت الحكومة التركية محطة "انترستار" التي كانت تبث برامجها من خارج تركيا عبر قمر اصطناعي. وتبعه آخرون مثل محمد أمين كرم أحمد، الذي حاز 50% من المحطة التلفزيونية "آي.تي.في" وأيهان ساهينك الذي أطلق قناة اخبارية على مدار الساعة "ان.تي.في"، كما ان آل أوزان أقاموا محطة أخرى "ستارتي .في"، واحتدم النزاع بين دوغان وأوزان وعلى نحو شرس أحياناً. فعندما بدأ آل أوزان إصدار صحيفة "ستار" استطاع دوغان استبعادها من شبكة توزيع الصحف، وكانت الشبكة الوحيدة في تركيا، الأمر الذي حمل آل أوزان على انشاء شبكة خاصة بهم وبتكاليف عالية، والتربص لدوغان.‏

"النمر" المكسيكي‏

من هو المكسيكي الأكثر نفوذاً في بلاده خلال النصف الثاني من القرن العشرين؟ قد يذكر بعض الناس أسماء كالرئيس السابق كارلوس ساليناس ورئيس الاتحاد العمالي فيديل فيلامكيز وصانع الرؤساء كارلوس هانك غونزاليس. غير أن الصحافيين أندرو باكسمان وكلوديا فرنانديز يؤكدان أن الشخص المناسب هو ايميليو أزكار اغباميلمو، الذي ترأس مجلس ادارة "تيليفيزا" الامبراطورية الاعلامية الكبرى والواسعة الانتشار منذ العام 1972 وحتى وفاته في العام 1997، ففي السيرة التي وضعاها لميلمو، وهي أول سيرة تظهر في المكسيك على الاطلاق، وتقع في 542 صفحة، وباعت أكثر من 50 ألف نسخة خلال الأسابيع القليلة التالية لصدورها، يورد الصحافيان اقتباسات لأكثر من 200 شخصية عايشت "النمر" كما كان يعرف ميلمو، ومن بين هؤلاء عدد من الاعلاميين والسياسيين والموظفين في "تيليفيزا"، ويتوسع الكتاب ليصف حجم نفوذ النمر ومقدرته على التأثير وكيفية تكوينه لثروته الضخمة (خمسة مليارات دولار)، التي جعلته أغنى أغنياء اميركا اللاتينية.‏

ويبقى السؤال عن الضلع الأول بين أضلاع المثلث، هل هو المال، أم الإعلام، أم السلطة؟‏

عبد الحليم حمود‏

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1136 ـ 18 تشرين الثاني / نوفمبر2005‏

2006-10-30