ارشيف من : 2005-2008

القدس المدينة التي خُطّت بالتراب السري: هكذا يراها التكشيليون

القدس المدينة التي خُطّت بالتراب السري: هكذا يراها التكشيليون

كأنها مدينة خُطت بالتراب السرّي بحجارة سماوية، كأنها البوابة التي تفضي الى كنز الإجابات، كأنها الخيط الذي يشد الأرض بالسماء، كيف لا وهي "عاصمة السماء وعاصمة الأرض".‏

هي القدس ملهمة الفدائيين المقاومين، ملهمة الشعراء والكتّاب، وملهمة الرسامين الذين غرفوا من سيرتها الذاتية ألواناً مزجوها على خاماتهم البيضاء لتكون هي القدس عنواناً لهم أو بطاقة تعريف تختصر همومهم ورؤاهم وتطلعاتهم التي تدوّن نصف المشهد، وتستلهم النصف الآخر، وكل على طريقته وبأسلوبه وألوانه.‏

هنا محاولة رصد لبعض الأسماء والأعمال والمدارس الفنية التي اتخذت القدس "معراجاً" للتعبير عن آرائها.‏

مع اسماعيل وتمام‏

تحضر القدس كعنوان ومدخل في أعمال أكثر التشكيليين الفلسطينيين من اسماعيل شموط الى مصطفى الحلاج الى تمام الأكحل وناجي العلي وغيرهم الكثير.‏

مع اسماعيل شموط تتمظهر القدس بشكل محوري ضمن توليفة تجمعها بفلسطين لينجدلا كضفيرة يتماهى بها العنوانان، فتحضر الاولى حينما تحضر الثانية، حتى ولو غابت احداهما مشهدياً عن اللوحة.‏

هذا التخصص أو التركيز عند اسماعيل شموط ثم عند زوجته تمام الأكحل، ليس نتاج ثقافة الشعارات وعناوينها: "قضية"، "صمود"، "تصدٍّ"، "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف"، ... الخ، وهي كلمات فُرّغت من كثرة الاستعمال وعدم التطبيق من قبل مطلقيها على مستوى القيادات.‏

أما عند شموط فقد كانت النظرة والصرخة أكثر التصاقاً بالتجربة بعيداً عن التنظير والتأويل والتوظيف.‏

كملامح من تلك التجربة يقول الزوجان اسماعيل شموط وتمام الأكحل: "منذ بداية مسيرتنا معاً في أوائل الخمسينيات وعلى امتداد نصف قرن من الزمن، ظلت قضية الانسان الفلسطيني ـ الوطن والشعب ـ هي موضوعنا الرئيس، وهاجسنا الوحيد لعملنا الفني، وهو الذي كوّن وجداننا الانساني وشكّل وعينا، وأيقظ داخل كل منّا الحس واللغة الشكيلية.‏

لقد تمكّنا من أن نرسم ونصوّر التجربة الصعبة، والرحلة الشديدة القسوة، رحلة اقتلاعنا نحن، اسماعيل وتمام، من اللد ومن يافا، وهي تجربة عاشها بشكل أو بآخر كل واحد من أبناء الشعب الفلسطيني، وأنتجنا، في الخمسين سنة الماضية، مئات اللوحات التي عرضت في فلسطين وفي دول عربية وأجنبية عدة".‏

المفارقة التي تتخطى الرمزية لتكون تعبيراً مباشراً تشكلت بعد زيارة قام بها الزوجان اسماعيل وتمام الى فلسطين سنة 1997 حيث بلغ تأثرهما وانفعالهما درجة ان بدءا العمل في لوحات الجداريات ذات المساحات الكبيرة، وكأنهما يبحثان عن أكبر مساحة للتعبير، للرفض، للانتفاض، وترجمة الأحاسيس دون أن يكون الأمر مجرد تنفيس، بل منطلقاً لتكون تلك اللوحات والجداريات وسيلة دعائية تحريضية متنقلة من عاصمة الى اخرى دون ان ينحدر المستوى الفني تقنياً أو فكرياً.‏

.. في أعمال الكاريكاتوريين‏

احتلت القدس مكانة واسعة في رسوم فناني الكاريكاتور في العالم وتحديداً العربي، لذلك كان من المنطقي والمطلوب ان يصدر كتاب تحت عنوان "القدس في أعمال الكاريكاتوريين العرب" عن دار مشرق ـ مغرب في سوريا.‏

احتوى الكتاب على عشرات الرسوم لستة وثلاثين رساماً عربياً اختاروا القدس كمدخل تعبيري ناقد يحاكي مدرسة الكوميديا السوداء. من هؤلاء الكاريكاتوريين نذكر: احمد طوغان ونبيل السلمي ومصطفى حسين من مصر، ومحمود كحيل وبيار صادق وحبيب حداد من لبنان، وعلي فرزات وياسين الخليل من سوريا، والعربي الصبان من المغرب، وحمد الغائب من البحرين، وحسيب الجاسم من العراق، وعماد حجاج من الاردن، وطبعاً هناك الحيز الأكبر لفنان دفع دمه ثمناً لحب القدس وفلسطين هو ناجي العلي الذي استعرض الكتاب عدداً من أعماله المعبرة.‏

في هذا الكتاب نحن أمام نماذج تحاول أو تعطي صورة المنتج الاجمالي، صورة تحاول تقديم ملامح الكاريكاتور في تعامله مع قضية القدس، "تلك القضية التي هزت ولا تزال، وستبقى تهز الواقع والوجدان العربي والاسلامي والعالمي بكل قوة، الى أن يجد العالم حلاً عادلاً دائماً وشاملاً كما يقول فايز سارة في مقدمة الكتاب.‏

القدس في الملصق‏

لعب الملصق السياسي دوراً هاماً في تاريخ الشعوب والثورات، وساهم في العملية الدعائية بشكل فاعل عبر آلية تصميمه وتنفيذه وطباعته وعرضه، وهي مراحل تخلو من التعقيد الكبير.‏

والقدس كانت عنواناً لمئات "البوسترات" التي نفذت في الكثير من العواصم، خاصة تلك المرتبطة بالقدس فكرياً وروحياً، مثل طهران التي أنتجت العديد من "البوسترات"، وعلى يد فنانين ذوي تجارب وباع في الفن التشكيلي مثل: أو الفضل عالي، مجيد قادري، زهرة قربانيان، مصطفى كودرزي، حسين خسروجردي وغيرهم..‏

من أعمال أبو الفضل عالي التي استمدت من القدس عنوانها نستعرض ملصقاً نفذه بمادة الباستيل (الطبشور) وهو يصور قبة الصخرة بكامل أبعادها الهندسية واللونية، فوقها النجمة السداسية ومنها يخرج ذئب فاغراً فاه بحركة متوحشة مسعورة تبتغي النهش كغاية وليس فقط كوسيلة. هنا قد نلحظ مباشرة في التأليف والتركيب، لكن هذه واحدة من سمات الملصق كفن له قواعده وأصوله.‏

والحديث عن القدس يطول ويتشعب ولا ينتهي عند حد اللوحة أو عند آخر نقطة في مقال ولا قطرة من دم، انها حوار دائم، أوّله ومنتصفه وآخره موغلة بالقداسة، كيف لا وهي القدس.‏

عبد الحليم حمود‏

2006-10-30