ارشيف من : 2005-2008
في يوم القدس العالمي:غزة تقترب من القدس والقدس من الحرية والتحرير
الانتقاد/ ملف خاص يوم القدس العالمي ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005
في أيلول/ سبتمبر العام 1982م، زحفت القوات الاسرائيلية نحو بيروت ودخلتها بقيادة آرئيل شارون، وبعد هذا التاريخ انطلقت المقاومة في لبنان واستطاعت خلال ثمانية عشر عاماً ان تدحر الاحتلال الاسرائيلي ليس من بيروت فحسب، بل من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة.
وفي أيلول/ سبتمبر العام 2000م وبعد الانتصار التاريخي الذي حققته المقاومة في لبنان، دخل آرئيل شارون نفسه
إلى الحرم القدسي منتهكاً قدسيته وحرمته ومدنساً طهارته، وعلى إثر هذا الدخول انطلقت الانتفاضة الجماهيرية الفلسطينية الجهادية المسلحة وتصاعدت وتيرتها، فهل بعد ثماني عشرة سنة أو اقل أو أكثر نكون على موعد مع التحرير، ليس للقدس ولحرمها فحسب، بل لكل فلسطين؟!
هذه هي رسالة يوم القدس العالمي، أن يحصل التآكل التدريجي لـ"سرائيل" حتى زوالها، انه يوم القدس الذي أطلقه الإمام الخميني(قده) بعد إعلان دولته، وكان ذلك بعد أربعة اشهر من قيام الدولة، ولعله أول إعلان سياسي أطلقه الإمام بعد انتصاره، وفي ذلك إشارة إلى محورية القدس في منظومة الأهداف السياسية التي رسمها الإمام الخميني (قده) لجماهير الأمة، ولم يضع الإمام هدف تحرير القدس في خانة الأهداف السياسية المحضة، بل أحاطه بغطاء شرعي ديني تعبدي يتم على أساسه التفريق والتمييز بين أتباع الإسلام وبين المنافقين، فالمسلمون هم من يعيشون همّ القدس ومعاناتها، وهم من يحيون يومها ويستشعرون قلوبهم ذلك الكمّ من المظلوميات التي يعانيها الشعب الفلسطيني، ويستحضرون مآسي الأمة وقلوبها التي تسببت بها الغدة السرطانية "إسرائيل"، فيوم القدس هو التجلي لذلك النداء العظيم الذي أعلنه الإمام (قده) نصاً صريحاً جلياً بضرورة السعي لإزالة "إسرائيل" من الوجود. فالهدف هو تحرير فلسطين والقدس العزيزة، ومن لوازم هذا الهدف استحضار القضية المحورية في كل عام، وفي أعظم شهر وفي أعظم ليالٍ وفي أعظم يوم، إنه يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك الذي اعتبره الإمام (قده) من أيام القدر التي قد يتحقق فيها مصير الشعب الفلسطيني بعد حينٍ من الزمن.
وقد أعطى الإمام الخميني (قده) ليوم القدس بعداً عالمياً، واعتبره المائز ليس فقط بين الإسلام والنفاق، وإنما بين الحق والباطل وبين الاستضعاف والاستكبار، فالقدس ومظلوميتها شاهد على الانحراف الكبير في مسيرة البشرية، وشاهد على الظلم والجور الذي تسعى الولايات المتحدة الاميركية لنشره في هذا العالم، وان إحدى محطات هذا الظلم هو ما حصل للشعب الفلسطيني ولقبلة المسلمين الأولى، فالأحرار في العالم عليهم أن ينظروا إلى القدس لا من جهة رمزيتها الدينية فحسب، ولا من جهة أهميتها التاريخية، ولا باعتبار موقعيتها في حياة الشعوب، ولا بلحاظ الموقع الجغرافي المتوسط في الشرق الأوسط والبلاد العربية، وإنما أيضاً من جهة كونها إحدى محطات الاستضعاف الشاهدة على ظلم واستكبار الإدارة الأميركية التي دعمت وساندت وأيّدت فلول اليهود القادمين من الشتات في هذا العالم على حساب أهل الأرض والتراث والثروات.
كما أعطى الإمام الخميني (قده) ليوم القدس بُعداً دينياً شرعياً، واعتبره الفارق بين أتباع الإسلام الحنيف وبين أتباع أميركا وأعوانها، فقد وضع الإمام قضية القدس في مكانها الصحيح الطبيعي في قلب القضايا المرتبطة بصراع الأمة مع أعدائها، وجعلها الشاهد على حياة الأمة أو مواتها، فإذا بقيت القدس محتلة فهذا يعني أن الأمة تحتضر وتتجه نحو الموات، أما لو قامت الأمة ونهضت جماهيرها للدفاع عن قضية القدس، ودعمت الشعب الفلسطيني في مقاومته ونضاله، فهذا يعني أن الروح ما زالت تنبض في جسم الأمة، وبالتالي فإن المعيار الذي عليه قياس مستوى الحيوية والحياة في أمة المسلمين هو موقفهم من القدس وفلسطين، ومقدار دعمهم ووقوفهم إلى جانبها.
اليوم والأمة تعيش في حال من الأحوال ليست على ما يرام، والاختلالات تصيب واقعها في كل ناحية، والانقسامات سيدة الموقف، والتشرذم يباعد بين الأنحاء والأوصال والأجزاء، في هذه الحال، قامت أميركا واحتلت العراق وزادت من ضغوطاتها على الأنظمة والشعوب، وراحت الأنظمة متسارعة لحماية مواقعها مشدوهة بهول المطلع والقادم، وراحت الشعوب تتخبط في مرارة واقعها بين احتلال جاثم، وأنظمة مستبدة، وضياع في أولويات الصراع، وهواة وصبية يقودون المسائل الحساسة، ومتعصبون متعجرفون يبثون الحقد والهمجية، ويحركون مشاعر الجماهير في اتجاهات إفراطية مهولة، وكبّلت أيدي العلماء، وضاع المفكرون الذين من واجبهم أن يكونوا هداة الدرب، وبحّت أصوات الصالحين والمصلحين، ولم يعد في الساحة سوى صوت الأحقاد، والأميركية ـ الصهيونية، وأحقاد التكفيريين، والمجاهدون في العراق أحاط بهم الغبار، ولف الدخان محيط عملياتهم، فأصبح من الصعب أن يميز الناس بين الخبيث والطيب، وبين الأعمال الجهادية والأعمال الهمجية العدوانية، وبدل أن تبقى الأنظار مصوبة نحو القدس، تحولت وبعنف المشهد وهول الكارثة إلى العراق وما حل به، وراح الصهيوني يعبث في فلسطين فساداً وظلماً وقتلاً وتشريداً وعزلاً للمناطق، والكل صامت. الأنظمة همها حماية نفسها، والشعوب تائهة وأنظارها نحو العراق شاخصة، فمن لفلسطين في هذي الحال! الانتفاضة هي الحل، إرادة الشعب الفلسطيني هي الخيار، والى جانبها المقاومة في لبنان تدعم هذا الخيار وتعززه، ولا تزال تعاند كل الجدران القاسية والحواجز الفولاذية التي توضع في طريقها مانعة لها من إكمال خيار الممانعة والمواجهة والمقاومة، وهي في لبنان تقارع التحديات، والانتفاضة في فلسطين تواجه الصعوبات، وصوت المقاومة والانتفاضة ما زال عالياً يشدّ بالعرب إلى فلسطين من جديد، وأصوات أخرى تحاول صمّ أسماعهم وإغراقهم في التيه والضياع، وإن من واجب الأمة وهي تتوجه بالعبادة لربها في شهره الكريم أن تحيي من جديد يوم القدس، وأن تحافظ على القضية، وأن تجلي عنها غبار الأحقاد والآثام، وأن تكمل مسيرة دعمها للجهاد والمجاهدين، فلعلّ الله بعد ذلك يجعل للأمة من واقعها المتأزم فرجاً ومخرجاً. فمن يقول إن أميركا ستبقى إلى الأبد، وإن الصهاينة لن يتعبوا وييأسوا. إن التاريخ يشهد على أن الاحتلال لن يدوم، وأن إرادة الشعوب مهما ضعفت أو خانتها الأيادي الداعمة، فإن هذه الإرادة قادرة على أن تستجمع قواها من جديد في لحظة وعي ويقظة لتلفظ الاحتلال الجاثم على صدورها خارج الحدود في البحر أو في التيه من جديد. وقد بدأت الخطوة من غزة، ولا بد أن تستمر إلى القدس ثم فلسطين...
د.بلال نعيم
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018