ارشيف من : 2005-2008
مكانة القدس في الإسلام
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1133 ـ 28/10/2005
"المستشرقون اليهود ومحاولة التهوين من قدسية القدس ومكانتها في الإسلام"، هو عنوان البحث الذي فاز بالجائزة الأولى عن المسابقة التي نظمتها حول القدس جمعية القدس للبحوث والدراسات في غزة.
يكشف صاحب هذا البحث عميد كلية الآداب في القدس الدكتور حسن عبد الرحمن سلوداي المخطط الذي يقوم المستشرقون اليهود بجهود حثيثة ومكثفة لإنجازه بهدف زعزعة المكانة السامية التي تحتلها القدس في وعي ووجدان المسلمين، وذلك بالادعاء ان قداسة القدس وما يرتبط بها من معتقدات لا صلة لها بصميم الديانة الإسلامية، وإنما هي تقاليد مستوحاة من القداسة المثبتة في الأصول الاعتقادية للديانة اليهودية، متوسلين لذلك تأويل النصوص الدينية الإسلامية وحرفها عن مقاصدها بما ينسجم مع أهداف مخططهم هذا.
ويؤكد الباحث ان سلطات الكيان الصهيوني تتخذ من هذه الطروحات غطاءً أيديولوجياً ومرجعية فكرية لتنفيذ سياساتها وممارساتها الرامية الى طمس هوية المدينة المقدسة وتهويدها.
في موازاة مخططات وممارسات صهيونية كهذه تجاه فلسطين عامة والقدس تحديداً، تبرز عظمة الدعوة التي أطلقها الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه لاعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك من كل عام يوماً للقدس، تجتمع فيه كلمة المسلمين كافة دفاعاً عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني المسلم. إنه ـ قدس سره ـ عندما دعا الى هذا اليوم فإنه في الواقع كان يشيد سوراً واقياً يصون به هوية القدس الإسلامية، فضلاً عن إيقاظه مشاعر القداسة التي يختزنها المسلمون تجاه هذه المدينة. ومما جاء من كلامه بهذا الصدد: "القدس ملك للمسلمين ويجب ان تعود اليهم"، و"يوم القدس يوم الإسلام"، و"الذي لا يشارك في مراسم يوم القدس مخالف للإسلام"، و"يوم القدس يوم قيام المستضعفين ضد المستكبرين".
هذه المكانة المقدسة التي تعبق بها كلمات الإمام الخميني (قده) والتي اشتملت عليها قلوب وعقول المسلمين على امتداد تاريخهم، ما هي إلا انعكاس للصورة التي عرضها دين الإسلام لمدينة القدس التي تجللها البركات التي خصّها الله بها.
أولاً: ثالث أفضل بقاع الأرض:
فقد ورد عن النبي الأكرم (ص): "ان لله خياراً من كل خلقه، فله من البقاع خيار، وله من الليالي والأيام خيار، وله من الشهور خيار، وله من عباده خيار، وله من خيارهم خيار.. فأما خياره من الأيام فأيام الجمع والأعياد، وأما خياره من الشهور فرجب وشعبان وشهر رمضان، وأما خياره من البقاع فمكة والمدينة وبيت المقدس".
ثانياً: تضم أفضل ثالث مسجد على وجه الأرض.. وهو المسجد الأقصى الذي شرّفها الله به كما شرّف مكة بالمسجد الحرام والمدينة بالمسجد النبوي. وقد جاء في فضل هذه المساجد قوله (ص): "لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا"، وذلك لعظيم فضل الصلاة فيهم. ويقول (ص): "فُضلت الصلاة في المسجد الحرام على غيره بمئة ألف صلاة، وفي مسجدي بألف صلاة، وفي مسجد بيت المقدس بخمسمئة صلاة". وحينما سُئل عمن لا يستطيع إتيان المسجد الأقصى للصلاة فيه أجاب: "فليهده زيتاً يسرج فيه، فمن أهدى اليه شيئاً كان كمن صلى فيه".
ثالثاً: هي أرض النبوات: ان المنطقة العربية الممتدة من مكة المكرمة التي تحتضن قبلة المسلمين الى القدس التي تحتضن المسجد الأقصى، شكلت تاريخياً مركز الوحي والرسالات السماوية التوحيدية ومحور حركتهم. ويشير الى هذا الأمر ما ورد عن الرسول الأكرم (ص): "بيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء، ما فيه من موضع شبر إلا وقد صلى فيه نبي أو قام فيه ملك". أضف الى ذلك ان الله بعث في بيت المقدس نبياً مرسلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، هو عيسى بن مريم عليه السلام.
ولئن كانت القدس أرض النبوات، فالمسلمون أولى الناس بأنبياء الله ورسله كما قال الرسول (ص) ليهود المدينة: "نحن أولى بموسى منكم".
رابعاً: هي قبلة المسلمين التي ظلّ رسول الله (ص) وأصحابه وأتباعه يتوجهون اليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج ثلاث سنوات قبل الهجرة وسنة وخمسة شهور بعد هجرتهم الى المدينة المنورة، حيث نزل القرآن يأمرهم بالتوجه في صلاتهم الى المسجد الحرام: "ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره".
خامساً: هي مسرى النبي الأكرم محمد (ص) ومحل عروجه الى ملكوت الله، اذ جعلها الله تعالى منتهى رحلة الإسراء الأرضية ومبتدأ رحلة المعراج السماوية.
ان الدلالات التي تنطوي عليها رحلتا الإسراء والمعراج تختزل كل مظاهر العظمة التي تجلل مدينة القدس. وأكبر هذه الدلالات بل محورها جميعاً، هي التي تجعل من القدس المحطة الأرضية التي تنطلق عبرها البشرية من آفاق الأرض المادية وزخرفها الى فضاء السماء الروحي وكمالاتها المعنوية. فكما أن عروج النبي الأكرم (ص) الى سماوات الله العلى انتهاءً بسدرة المنتهى كان ابتداؤه من القدس، بعد أن أمّ أنبياء الله جميعاً، فإن عروج البشرية التام والكامل نحو كمالها لن يكون إلا من باب القدس في مسجدها، ولكن بعد ان يتمكن أتباع الأنبياء من الصلاة في المسجد الأقصى كأتباع دين واحد خلف القائم بأمر الله، حفيد رسول الله الخاتم وخليفته ووارث تراث أنبياء الله وبينهم نبي الله عيسى بن مريم (ع)، كشاهد حق على هذه الوراثة.
هنا تتجلى أمامنا مرة أخرى عظمة الموقف الذي أطلقه الإمام الخميني (قده) وأعلن فيه يوماً للقدس، ودعوته المسلمين كافة الى توحيد كلمتهم تحت رايتها لاستعادتها من غاصبيها وإعادتها الى وضعها الأصيل كما أرادها الله، مصلى لجميع المؤمنين على طريق عروجهم اليه. وهنا أيضاً تتكشف أمامنا الأصول الإسلامية الأصيلة التي انطلق منها الإمام الخميني (قده) في موقفه هذا، حيث أدرك بقلبه الخالص لله وبصيرته النافذة سر العلاقة بين "الإسراء والمعراج" وحركة الظهور الشريف لبقية الله الأعظم عليه السلام، وعرف بالتالي "مركزية" موقع القدس في مشروع العدل الإلهي، اذ لا عدل على الأرض من دون حاكمية عادلة عليها، ولا حاكمية عادلة عليها إلا من بعد بسط هذه الحاكمية على مدينة القدس ومسجدها.
من هنا أيضاً وأيضاً ندرك كيف أن صاحب الزمان عليه السلام عند ظهوره في مكة المكرمة يضع القدس هدفاً أولياً مباشراً لحركته.
إسماعيل زلغوط
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018