ارشيف من : 2005-2008
شهر رمضان المبارك في إيران :حين يتعانق التراث والحداثة
الانتقاد/ ثقافة ـ العدد 1132 ـ 21 تشرين الاول/ اكتوبر 2005
طهران ـ أميمة محسن عليق
أول ما يتغير في شوارع طهران خلال الشهر المبارك هو انك لا تستطيع شراء الأطعمة الجاهزه وخاصة الغربية منها (البيتزا والهمبرغر) وقت الافطار، والسبب في ذلك ان اغلب المطاعم تتحول الى مطابخ تقليدية جدا لتلبي رغبة الصائمين في تقديم الآش (وهو نوع من الغذاء التقليدي الايراني شبيه بالشوربا يحوي الحبوب والخضار) والحليم بوقلمون (وهو غذاء شبيه بالهريسة أيضاً بالقمح وديك الحبش)... واللافت أنه حين تدخل هذه المطابخ (المطاعم سابقا) تجد الوعاء المعدني الكبير جداً الذي غالباً ما يملأ الباحة على غاز كبير ليصب منه مباشرة في الاوعية التي يحضرها المشترون معهم من بيوتهم.
واذا لم تكن ممن يرغب في الخروج وقت الإفطار لتحاشي ازدحام السير الذي يصبح خانقاً في مثل هذا الوقت يمكنك وبكل بساطة أن تتوجه إلى أقرب مسجد لتناول الإفطار الذي يقدم مجاناً في كافة المساجد بعد صلاتي المغرب والعشاء. ولا بد من الإشارة إلى أن الذهاب إلى المسجد يتزايد في هذا الشهر المبارك حيث مهد لهذا الامر في الاسبوع الاخير لشهر شعبان الذي هو أسبوع المسجد حيث تقام الأنشطة المتعلقة بتشجيع الناس والشباب خاصة للاهتمام بالمسجد.
وإفطار الايرانيين يشبه الفطور أو الترويقة في بلادنا العربية إذ يتألف من الجبنة والزبدة والخضار والجوز والتمر، بالإضافة الى الـ"آش " أو "الحليم" التي ذكرناها سابقاً. ثم يتناولون بعد ساعة أو ساعتين من الإفطار العشاء وهو يشمل طبقاً رئيسياً من الدجاج أو اللحم أو الخضار على الطريقة الايرانية مع الأرز والسلطة. أما السحور فشبيه بطعام العشاء.
كما تظهر على السفرة الايرانية بعض الحلويات التي تكون قد اختفت منذ سنة، وهي تشبه العوامة والمشبك في بلادنا العربية.
وتتزايد الدعوات للافطار بشكل كبير، فدعوة الأهل (أهل الزوج أو الزوجة) على رأس اللائحة ثم الاقارب والاصدقاء.
كما ويكون الخروج الى الحدائق العامة التي لا تخلو في الايام العادية من المرتادين، منحصراً في ما بعد الافطار، فتعج هذه الحدائق بالعائلات التي تجد فيها متنفساً في العاصمة المكتظة التي لا تزال مزينة بالأضواء منذ الأعياد الشعبانية.
أما الأنشطة الثقافية فتبدأ من الأحياء البسيطة التي يجتمع أهلها للدعاء وقراءة القرآن، وتنتقل إلى مساجد الجامعات والمناطق الكبرى الى الأنشطة الأكثر تنظيماً التي تشرف عليها وزارة الارشاد والتي شملت هذه السنة على سبيل المثال: قافلة المحبة، وهي عبارة عن سيارات تجوب الأحياء لجمع المساعدات للمحتاجين، كما مهرجان "الصدى" المؤثر لدى الناس اذ يجتمع الفنانون يومياً في ملعب الشهيد الشيرودي ليقيموا الحفلات الإنشادية التي يعود ريعها للايتام والاعمال الخيرية. ولا ننسى المهرجان العالمي لحفظ وتجويد القرآن الذي افتتحه كما كل سنة الإمام السيد علي الخامنئي، والذي يضم حفظة وقارئي القرآن من 75 بلداً، ويبث عبر تلفزيون القرآن الذي تحول إلى قناة مستقلة هذه السنة منذ بداية شهر رمضان المبارك، وذلك بعد أن كان يبث لعدة ساعات عبر القناة الثانية.
ومن الأنشطة اللطيفة التي دعت اليها الشبكة الخامسة (طهران) دعوة لكل الصائمين لأن ينقسموا الى مجموعات من أربعة أشخاص ومن خلال قراءة جزء واحد من القرآن يتم ختمه خلال شهر رمضان وإهدائه إلى أرواح الشهداء.
كما وتزداد في هذا الشهر المبارك البرامج التلفزيونية الدينية والمقابلات التي تتحدث عن فضائل هذا الشهر، بالاضافة الى الصبغة العامة التي تطغى على كافة البرامج ابتداء من برامج الاطفال - الذين لديهم صيامهم الخاص الذي يعرف برأس العصفور والذي يستمر الى الظهر فقط، ويقدم لهم الافطار عند الظهيرة في مدارسهم او في دور الحضانة - التي تحوي الاناشيد والبرامج المتعلقة بالصيام الى البرامج الصحية التي تؤكد على صحة الصائمين والبرامج الاقتصادية التي تعنى بارتفاع الاسعار او متابعتها باستمرار.
ويزداد التركيز على القضية الفلسطينية والقدس بسبب يوم القدس العالمي، فيتم عرض البرامج السياسية المتعلقة بهذا الموضوع بالاضافة الى المسلسلات الايرانية أو المدبلجة (تعرض الشبكة الخامسة رائعة غسان كنفاني "العائد الى حيفا"، والشبكة الثانية المسلسل السوري "الايام المتمردة").
وطبعاً لشهر رمضان الحصة الوافرة من الانتاجات المحلية من المسلسلات التي ينتظرها الناس من سنة الى أخرى تتوزع على كافة الشبكات وفي مختلف الاوقات.
وللفنانين أنشطتهم الخاصة فقد ملأت أعمالهم المتعلقة بالمواضيع الدينية المتاحف وصالات العرض وتألقت اللوحات (رسم ـ غرافيك) أو الاعمال الحديثة (فن مفهومي ـ سريالي ـ تكعيبي ). واذا ما أردت ان تجمع بين كافة الفنون والاعمال الفنية والدينية فليس لك سوى أن تزور المعرض السنوي للقرآن الذي افتتح على مساحه 30 الف كيلومتر، ويضم اللوحات 800 لوحة رسم، والمنحوتات والمخطوطات والابداعات ـ أصغر قرآن، آية الكرسي مكتوبة على حبة الارز، الاسطوانات (حيث شارك هذه السنة 28 شركة كمبيوتر)، ونسخات من القرآن الكريم. كما ويضم غرفاً للمؤسسات والمعاهد التي تستقبل الاطفال لحفظ القرآن، وغرفاً تعرض الكمبيوترات القرآنية الخاصة بالأطفال، وغرفاً للرسم والنحت والتخطيط، وذلك للمشاركة بالمسابقات على هامش المعرض، بالاضافة الى القسم الخاص بالأعمال الجامعية من رسائل تخرج ومقالات أو كتب خلال السنوات المئة الماضية التي تناولت مواضيع حول القرآن الكريم، وهي مميزة بعددها الكبير وبموضوعاتها اللافتة والجديدة، ويستقبل المعرض الزائرين طيلة شهر رمضان ومنذ الصباح الى منتصف الليل.
ولليلة القدر حال آخر حيث تكتظ المساجد في الأحياء والجامعات خاصة (وهذا ما نستغربه في بلداننا العربية) حيث تتكفل النوادي الطلابيه بتقديم الوجبات الغذائية والسحور المتنوع الى المشاركين.
أما الحوزة العلمية في قم فتعطل دروسها ليتوزع العلماء والطلاب على القرى والمناطق النائية للتبليغ ولإحياء هذا الشهر المبارك.
وإن كان لعيد الفطر طعمه الخاص لكنه يصبح أكمل بصلاة العيد خلف الإمام القائد الذي لحضوره معنى العيد، فيتوافد مئات الالاف للتكبير معه ولتبادل التهاني والدعاء لهذه الامة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018