ارشيف من : 2005-2008

الإمام زين العابدين وشهر العبادة : جاء صاحب الجراب

الإمام زين العابدين وشهر العبادة : جاء صاحب الجراب

الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1132 ـ 21 تشرين الاول/ اكتوبر 2005‏

"إن لله تعالى في كل ليلة من شهر رمضان سبعين ألف عتيق من النار, فإذا كان آخر ليلة منه أعتق فيها مثلما اعتق في جميعه، وإني لأحب أن يراني الله وقد اعتقت رقاباً في ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار". الإمام زين العابدين (عليه السلام).‏

إذا كان شهر رمضان المبارك شهر العبادة والتوجه إلى الله, وإذا كان الإمام علي بن الحسين (ع) زيناً للعابدين في زمانه، ومن أعظم الشخصيات التي نسجت علاقة خاصة مع الله في كل زمان ومكان فكيف تراها تكون العلاقة بين الإثنين؟! إنها بلا شك علاقة الطيور بموسم الربيع. تتحرك أنسام الربيع فتستيقظ في أعماق أرواحهم رغبة جامحة للهبوب مع الريح إلى سماوات الله. تقطع المسافات والحجب النورانية إلى العلي الأعلى خالق كل شيء وبارئ كل شيء، إنها علاقة العشاق لله في موسم عشقهم الكبير.‏

شكلت العبادة الركن الأساس في شخصية الإمام زين العابدين (ع)، وفي المرويات عن محمد بن شهاب الزهري أنه كان يقول: ينادي مناد يوم القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين (ع). كما جاء في تذكرة الخواص لابن الجوزي بهذا الإسم، أي زين العابدين الذي لا يختلف عن ألقابه, وأسمائه الأخرى: كالسجاد, وذي الثفنات, والبكّاء, والعابد. شخصية كبيرة بهذا البعد المعنوي والعبادي كيف يكون حالها في شهر رمضان المبارك؟! هنا السؤال. والسؤال هنا ما هو مبرره؟ لماذا يطرح الواحد منا هكذا سؤال؟ ثمة ما هو مخفي في السؤال يضمر إحساساً دفيناً متوارياً في مكان ما من كواليس الذات بأنها دائماً حائرة وقلقة على مفترق الطرقات.‏

التداعيات التي يثيرها السؤال يجدر بنا التوقف عندها لاستجلاء حقيقة أنفسنا الغافلة عن حقيقة خلقها, وعن طبيعة دورها ووظيفتها في هذه الحياة. كان الإمام علي بن الحسين (ع) في الأيام العادية إذا توضأ للصلاة اصفرّ لونه مجيباً الذين يسألونه ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء، بالقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقف؟ وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فيقال له: ما لك يا بن رسول الله ؟ فيقول: ما تدرون لمن أريد أن أناجي. ويروي المؤرخون أنه وقع ذات يوم حريق في داره وهو ساجد، فاجتمع الناس وقالوا: النار النار يا بن رسول الله, فلم يكترث ولم يرفع رأسه حتى أطفئت فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ فقال: ألهتني النار الكبرى.‏

هذه الأخبار الواردة عن الإمام علي بن الحسين (ع) تحدثنا عن عبادته في الأيام العادية. أما في شهر رمضان المبارك فيروي ابن طاووس في " الاقبال" بسندٍ ينتهي إلى الإمام الصادق (ع): كان علي بن الحسين إذا دخل شهر رمضان ... إذا أذنب عبد له أو أمة يسجل ذلك عليهم, فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله, ثم يعرض عليهم سيئاتهم فيعترفون بها، فيقول لهم: قولوا يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كل ما عملت, كما أحصيت علينا كل ما عملنا, ولديه كتاب ينطق عليك بالحق, لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, وتجد كل ما عملت لديه حاضراً كما وجدنا كل ما عملنا لديك حاضراً، فاعف عنا واصفح يعف عنك المليك، ويصفح وهو واقف بينهم يبكي ويقول: ربنا إنك أمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما أمرت فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا ومن المأمورين، ثم يقبل عليهم ويقول: لقد عفوت عنكم فهل عفوتم ما كان مني إليكم، اذهبوا فقد أعتقت رقابكم طمعاً في عفو الله وعتق رقبتي من النار, فإذا كان يوم العيد أجازهم بجوائز تصونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس.‏

كان عليه السلام يطرق بيوت الفقراء وهو متلثم، وأكثرهم كانوا يقفون على أبواب بيوتهم ينتظرونه فإذا رأوه تباشروا به وقالوا: جاءنا صاحب الجراب...‏

هذا بعض من إمامنا علي بن الحسين (ع) في شهر رمضان.‏

وان وليداً بين كسرى وهاشم لأكرم من نيطت عليه التمائم‏

كما يقول فيه أبو الأسود الدؤلي, ولكن أين نحن من الشهر المبارك؟‏

حسن نعيم‏

2006-10-30