ارشيف من : 2005-2008

بصمات شهر رمضان على دول عربية:انقلاب سلمي على السائد

بصمات شهر رمضان على دول عربية:انقلاب سلمي على السائد

تختلف طقوس مواكبة شهر رمضان الكريم من مكان لآخر، وتتنوع الاستعدادات وأساليب التعبير وطقوس الحياة أيضاً.‏

لا شك أنه شهر مكتظ بالمرادفات الروحانية والعمق الماورائي والبركة والكرم الالهيين. لكنه بلا شك أيضاً يحمل سمات أخرى ذات أبعاد "أرضية" ترتبط بالطعام والشراب والترفيه والسهر والمسلسلات وصولاً للخيم الرمضانية.‏

وكذلك لهذا الشهر الكريم خصوصية تجارية حيث ينعكس الإيقاع الجديد للأكل، ومن ورائه الحركة في العمل على طريقة عمل التجار والباعة وساعات عملهم وأوقاتها وأسلوب عرض بضائعهم وأشكال تسويقها.‏

هنا مقالة متشعبة العناوين والأماكن تبتغي رصد هذا "الانقلاب" السلمي.‏

غزة ومدفع الافطار‏

يأمل الغزاويون في هذا الشهر الكريم أن لا يسمعوا سوى مدفع الإفطار، الذي يقوم بدور المنبّه فقط لا غير، اضافة الى كونه حلقة تكمل المشهد الرمضاني في البلدان الاسلامية، لكن حتى هذه الأمنية شابتها صعوبات تتمثل في عدم توافر المدفع نفسه في بلدية غزة التي يطل من على مدخلها مدفع قديم برونزي اللون كان يطلق قذائف صوتية وقت "السحور" والافطار وذلك قبل احتلال غزة سنة 1967.‏

ويوضح مسؤول الاعلام في بلدية غزة أن هذا المدفع الذي عثر عليه قديماً في مخزن تابع للبلدية كان يحيي تقليد مدفع الإفطار في رمضان زمن الحكم العثماني لفلسطين الذي انتهى في عام 1918.‏

.. والسياسة في البحرين‏

تنصب في شهر الصيام الخيام في مختلف مناطق البحرين بمبادرة من أعيان البلد وأثريائه لتؤوي المجالس والديوانيات حيث يتم إحياء سهرات رمضانية مطولة.‏

لكن جرعة السياسة ستزداد هذا الشهر لأن الانتخابات على بعد 11 شهراً، لذلك ستحفل الكثير من الديوانيات بالسجالات السياسية التي ستمتد الى الأعمال الخيرية كما قال عضو بلدية "المحرق" الشيخ صلاح الجودر لإحدى الوكالات الأجنبية: "ان العديد من المحسنين اعتادوا التبرع للفقراء والعائلات المحتاجة منذ سنوات طويلة غير أن ثمة من ينشط الآن في العمل الخيري لأغراض سياسية".‏

خصوصية السعودية‏

كما معظم الدول الاسلامية أو تلك التي يعيش فيها مسلمون، هناك خصوصيات لكل منطقة حتى داخل البلد الواحد، وهو ما ينطبق على السعودية حيث تتميز كل منطقة بأسلوب وعادات في التعامل مع الشهر الفضيل.‏

ففي كل شهر صوم من كل عام تزدحم المدينة المنورة بالزائرين، ويشتد هذا الزحام في العشر الأواخر حيث يسود الجو الروحاني بلد الرسول(ص).‏

أما على مستوى الطقس الشعبي فهناك مظاهر تكاد تختفي في المدينة وهي زالت الا في بعض الأحياء الشعبية مثل خروج الأطفال في مجموعات ينشدون الأهازيج الجميلة مستعينين في ذلك بالطبول والعصي وهم يدورون على المنازل يقرعون أبوابها ليحظوا بالحلوى، وتقسيمها في ما بينهم.‏

التضامن في المغرب‏

إن رصد طبيعة تعامل الشعب المغربي مع شهر رمضان المبارك يستلزم مناقشة الموضوع من زوايا مختلفة.‏

فبالاضافة للطقس الديني الذي يأخذ مداه مع إحياء المغرب لتقليد رفيع يتمثل في استضافة الفقهاء والعلماء المسلمين في أنحاء العالم، بالاضافة الى هذا ثمة وقفة ضرورية مع شكل التضامن الاجتماعي في هذا البلد. ففي هذا الشهر تقوم جمعيات الأعمال الاجتماعية بتقديم الدعم والمساعدات للفقراء، وهناك مؤسسات شبه رسمية تقوم بتوزيع وجبات الافطار على ذوي الحاجة، ولذلك تستعين بأكثر من 6000 موظف ومستخدم.‏

ولا يجب أن نغفل الأشكال المتعددة لتعامل المغاربة مع الجانب الغذائي، اذ تختلف أنواع الأكل حسب تنوع الخريطة الجغرافية والثقافية للمجتمع المغربي، انما تبقى هناك وجبات مشتركة بين المناطق مثل أكلة "الشباكية" و"الحريرة" المعتمدة على البندورة في أصل تكوينها، ويعزى لها رفع سعر البندورة في شهر رمضان نظراً لكثرة الطلب عليها.‏

"المحيبس" في العراق‏

مع حلول شهر رمضان المبارك من كل عام تنتشر لعبة "المحيبس" التراثية الرمضانية في الشارع العراقي الشعبي بشكل لافت، وتستهوي هذه اللعبة آلاف العراقيين من لاعبين ومشجعين وحتى مشاهدين عبر شاشة التلفزيون، وغالباً ما تكون المواكبة للمباريات التي يخوضها فريق الكاظمية بطل العراق على مدى ربع قرن حيث يتمتع لاعبوه بالفراسة النادرة التي تدفع لاعبيه لكشف الخاتم المخبأة بين أيدي المئات من الأشخاص.‏

وتُلعب "المحيبس" في العراق منذ مئات السنين، وهي تتكون من جولة أو جولات، ويمتد وقتها أحياناً الى ساعات، وهي لعبة تعتمد على اكتشاف الخاتم بين الجموع، علماً أنه في هذه اللعبة ثمة نجوم وأبرزهم جاسم الأسود.‏

طقوس سورية‏

لدمشق تقاليد رمضانية عريقة ما زالت تحتفظ ببصماتها الى الآن برغم تبدل الأجواء والاهتمامات الشعبية.‏

يبدأ أهل الشام بالاستعداد لشهر الصيام من أوائل شهر رجب وذلك من الناحيتين الروحية والمادية، وهناك تقليد معروف باسم "تكريزة رمضان" يتمثل بتوديع أيام الافطار بالخروج في نزهة أو كما تسمى في سوريا "بالسيران"، ويقوم خلالها أهل الشام بإعداد وجبات طعام غنية ودسمة، استعداداً لصيام طويل.‏

ولشهر رمضان أطعمته الخاصة مثل الحساء على أنواعه والفتّة التي يطلقون عليها اسم "التسقية".‏

يبدأ الناس افطارهم بشراب قمر الدين أو التمر هندي. أما العرقسوس فهو شراب لا بد منه في هذا الشهر، فالمواطنون يتزاحمون أمام دكان العرقسوسي، وكانوا في الماضي يحملون دلاء من التنك لملئها غير أنه في أيامنا هذه يفرغونها بأكياس من النايلون.‏

وطبعاً لكل مدينة سورية بصمة تميزها في هذا الشهر وتراث تحاول المحافظة عليه، وطبعاً لكل دولة بصمتها وطباعها وعاداتها التي تؤكد ان لهذا الشهر الكريم وقعاً فعلياً لم ولن يتبدل حتى ولو اختلفت التعابير.‏

عبد الحليم حمود‏

الانتقاد/ مقالات/ العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/اكتوبر2005‏

2006-10-30