ارشيف من : 2005-2008
آداب الصوم والصائمين ووظائفهم
بقلم:الشيخ خليل رزق
للصوم والصائمين أهمية خاصة وقيمة سامية في سماء التشريع الاسلامي، وما دام الانسان صائماً فهو مجلل ومكلل بوسام المجد والشرف، لأنه مورد عناية الله سبحانه وتعالى، إذ إنّه ناداه فلبّى النداء.
ولهذا شرّف الله الصائمين وكرّمهم وأعطاهم من فضله وعنايته ورحمته.
يقول الإمام الصادق (ع):
"نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله متقبّل، ودعاؤه مستجاب...".
وعن الرسول الأكرم(ص) أنه قال:
"إن الله وكّل ملائكته بالدعاء للصائمين".
وعنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "إن للجنة باباً يدعى الريّان لا يدخل منه الا الصائمون".
فإذا كنت أيها الصائم قد حصلت على هذه المزايا والعطايا الربّانية التي أنعم الله بها عليك لمجرد أنك أطعته في هذه الفريضة،
فتعال معنا لنرتقي معاً لعلنا نزداد ونحصل على المزيد من هذه العطايا، وذلك من خلال العمل على التأدب بأدب الصوم الذي يحبّ الله تعالى لعباده أن يتحلوا به في هذا الشهر الكريم.
وها نحن نضع بين يديك أخي الكريم وأختي الكريمة جملة من الآداب المهمة التي ينبغي أن نكون عليها في شهر الصوم.
أولاً: استقبال شهر رمضان عن طريق التوبة والعودة اليه، والإقلاع عن المحرمات، فإن الله يحب التوابين والمستغفرين، خصوصاً في هذا الشهر.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: "اذا تاب العبد توبة نصوحاً، أحبّه الله تعالى فستر عليه في الدنيا والآخرة".
قال الراوي: وكيف يستر عليه؟
قال: يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب، ثم يوحي الله الى جوارحه اكتمي عليه ذنوبه، ويوحي الى بقاع الأرض اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله تعالى حين يلقاه، وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب".
ثانياً: تسخير جميع أعضاء الجسم في طاعة الله، وإبعادها عن المعاصي وارتكاب الآثام والذنوب، فكما أنّ الطعام والشراب يفطران الصائم، كذلك فإن أية معصية قد تعرّض عبادتك وصومك للفساد والهلاك.
"فإذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك، وجميع جوارحك عن المحرمات بل عن المكروهات أيضاً".
ثالثاً: التوجه نحو العبادة، والعزم على مزاولة المستحبات والابتعاد عن المكروهات، والإكثار من تلاوة القرآن والأدعية والاستغفار.
روي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) أنه كان اذا دخل شهر رمضان لا يتكلم الا بالدعاء والتسبيح والاستغفار والتكبير.
ويكفيك ايها الصائم ان الرسول الأعظم (ص) بشّرك في مطلع هذا الشهر بأن الله سبحانه وتعالى قد أقسم بعزته ان لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم القيامة.
وأنّ من تطوع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً، كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور..
رابعاً: تجنّب لغو الحديث ومجالس الفحش والسوء وأماكن الغيبة والنميمة، وترك الخصومة والمنازعة والمشاجرة مع الناس، فإن وصيّة نبيّك اليك ايها الصائم في هذا الشهر ونصيحته التي يسددها اليك هي قوله(ص): "ما من عبدٍ يصبح صائماً فيُشتم، فيقول: اني صائم، سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني، إلا قال الربّ تبارك وتعالى: استجار عبدي من شرّ عبادي فأجيروه من ناري وأدخلوه جنتي".
خامساً: التقرّب الى الله في هذا الشهر بالتصدّق على الفقراء والمساكين، ومساعدة المحتاجين، ففي الحديث الشريف:
"فطرك أخاك الصائم أفضل من صيامك".
وفي خطبة النبي(ص): "ان من أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه".
سادساً: صلة الرحم في هذا الشهر الكريم، فإن رسول الله (ص) وجّه عنايته نحو هذا الأمر الخطير، وأرشدك الى أن من وصل رحمه في شهر رمضان وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه، قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه.
سابعاً: إيّاك وأن تغفل في أيام وليالي هذا الشهر الكريم عن مراجعة الذات، ومحاسبة النفس، فإن هذا من أهم الأعمال فيه، فضلاً عن أن ذلك مطلوب من الانسان في كل يوم: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد الله تعالى، وإن عمل سيئة استغفر الله تعالى منها وتاب اليه".
فعليك أخي الصائم وأختي الصائمة الالتفات والتبصّر الى كيفية قضاء هذا الشهر في الليل والنهار، وكيف نصون جوارحنا وأعضاءنا عن المعاصي والذنوب.
ثامناً: الورع عن محارم الله تعالى:
فإن من أهم وأفضل ما يحقق للإنسان معنى الصوم هو الإبتعاد اللازم والضروري عن الذنوب والمعاصي والآثام، ولذا فإن رسول الله (ص) قال في جواب سؤال الإمام علي (ع): ما هي أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال(ص): الورع عن محارم الله.
تاسعاً: التوجه الى الله بالدعاء،
فإن شهر رمضان المبارك هو الفرصة الكبيرة للدعاء والتوجّه الى الله، ومن الآداب والوظائف الأساسية للصائم في هذا الشهر الدعاء وتلاوة الأدعية الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته الأطهار ومنها: أدعية النهار، وأدعية السحر، ودعاء أبي حمزة الثمالي، الأدعية الواردة في تعقيبات الصلوات الواجبة والمستحبّة.
يقول أمير المؤمنين(ع):
"عليكم في شهر رمضان بكثرة الاستغفار والدعاء، فأما الدعاء فيدفع عنكم به البلاء، وأمّا الاستغفار فتمحى به ذنوبكم".
فمن خصوصيات الدعاء في هذا الشهر أنّه مقبول ومستجاب كما يعدنا بذلك رسول الله (ص): ودعاؤكم فيه مقبول، فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة".
والدعاء سلاح المؤمن، وأفضل العبادة، وأحبّ الأعمال الى الله سبحانه وتعالى، ويرد القضاء ويدفع البلاء النازل وما لم ينزل، وشفاء من كل داء.
وفي الحديث: "الدعاء كهف الاجابة كما أن السحاب كهف المطر".
عاشراً: تلاوة القرآن الكريم.
فشهر رمضان المبارك ربيع القرآن، والقرآن ربيع القلوب كما يقول امامنا الباقر(ع): "لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان".
وإنّ في الأعمال المهمة في هذا الشهر الكريم والتي يجب أن تكون مورد انتباه والتفات المؤمنين تلاوة كتاب الله العزيز، وخصوصاً أننا نهجره طوال السنة ونستطيع التعويض عن بعض التقصير تجاهه في هذا الشهر حيث يضاعف ثوابه كما عن النبي الأكرم (ص): "ومن تلا فيه آية من القرآن، كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور".
الانتقاد/مقالات/العدد 1131 ـ 14 تشرين الاول/ اكتوبر 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018