ارشيف من : 2005-2008

" دماء تقرع الفردوس" للشيخ أحمد اسماعيل : دمعة سخية على ضفاف الشهداء

" دماء تقرع الفردوس" للشيخ أحمد اسماعيل : دمعة سخية على ضفاف الشهداء

الانتقاد/ قراءة في كتاب ـ العدد 1130 ـ 7 تشرين الاول/ اوكتوبر 2005‏

يستفزك الكتاب بعنوانه أولاً قبل أن تغيب في مروجه والحقول، وقبل أن تحلق في أجوائه الرحبة.‏

"دماء تقرع الفردوس" ... واثقة هي، مثقلة بأوسمة الله العزيزة أمام باب خصص لها، تقرعه قرعاً لا خائفة ولا وجلة، وقد حان أوان اللقاء الأمل برب الفردوس وسادة الوجود صلوات الله وسلامه عليهم.‏

العنوان الذي يرسم حوله أكثر من علامة استفهام هو البداية فقط، أو الممر إلى واحات خضراء متنقلة ومفردات هي اقرب إلى لغة الصلاة، تنساب خائفة من إحساس بالتقصير سيلاحقها كعقدة حتى النهاية، تشعر بالعجز عن الوصول إلى كنه الشهادة والشهداء، لكنها جريئة بمستوى المهمة وهي تحاكي الوجود بألسنة الشهداء أنفسهم، أو حين تستجمع كل طاقاتها وهي تشير إلى الهدف.‏

في كتابه "دماء تقرع الفردوس" الصادر حديثاً عن دار الولاء، يرصد سماحة الشيخ احمد إسماعيل لحظات مخصصة بعينها، اختارها هو بنفسه، أضاء ما حولها بمصباح القلب، واستحضر ثوانيها بدقة، فكأنك للشهيد أب أو شقيق أو رفيق درب، رسم المشهد بريشته المبدعة كما هو دون تزيين أو تجميل لاعتقاده الراسخ أن الزيادة في العمل الإبداعي هي انتقاص من كماليته وروعته. ويستطرد سماحته في سرد الأمجاد والمواقف وتوثيق عظمة التحدي بأسلوب يجعلك تجزم أن الكاتب ليس مؤرّخاً ولا ممجّداً فقط، وإنما هو وقبل كل شيء مجاهد عنيد في ميادين المقاومين، تذوّق الشهادة حيَّاً وانتظرها، بل واستعجل أوانها أمنية عزيزة وواقعاً يلحقه بالعابرين.‏

الكتاب في الأصل هو سيرة ذاتية أو لمحات منها، أو اشارات متلاحقة للمشترك بين تلك الدماء التي سوف تقرع باب الفردوس يوماً، وبين تحطيمها أسوار الاحتلال الصهيوني، مشرِّعة للوطن أبواب الجنوب والبقاع، تؤذِّن في الناس أن ادخلوها اليوم آمنين.‏

برغم صعوبة المهمة واستحالة الهروب من التكرار في موضوع يكرر نفسه أصلا، إلا أن الشيخ إسماعيل في مناجاته مع الشهداء قد استطاع التخفيف من وطأة هذا التكرار الحتمي بدمعةٍ سخية ذرفها فوق جبين أبطاله، وقلمٍ ذوّاقٍ، عشقَ الشهادة فباحت له مرغمة بأسرارها وألغازها، يغوص ويغوص في شُعب مرجانها، معتقداً انه ما زال عند الشاطئ، وعلى الضفاف، ما يستدعي منه مزيداً من الإبحار والتجديف. ولعل ابرز ما استوقفني في الكتاب هو تلك العاطفة الجياشة التي تتوزع وتنتشر كما النسيم لا يوقفها انتماء عائلي أو مذهبي ولا تعيقها حدود وحواجز، فتحدث عن شهداء لبنان كما شهداء فلسطين والعراق، هو لا يدعك تميز بين شقيقه الشهيد وإخوته الشهداء، لو لم يشر إليه بالاسم، وهو أمر لا بد منه، وذلك هو ديدن الانتماء المتجذر لقافلة السماء، جامعاً في صفحاته القصيرة بين المجاهد الشهيد والمجاهدة الشهيدة، والأستاذ في الحوزة العلمية كما الطالب والزميل فيها، الاستشهاديين منهم والفوارس، معتبراً أن المعين والقدوة لكل هؤلاء العظام هو سيد شهداء أهل الجنة، ذبيح الطفوف وأهل بيته والاصحاب (ع)، مخصصاً في الكتاب فصلاً لوصايا الشهداء "وقبسات عشقهم"، لاعتقاده بأهمية هذا الإرث العظيم في توعية الأمة وحثها وتثبيت مواقفها.‏

في غمرة تلك المحاكاة القلبية للشهداء لم ينس الكاتب حق الجرحى فتوجه إليهم، عانقهم شهداء أحياءً يبصرون بنور الله، وترنيمة للخلد ونجوماً لأهل الأرض.‏

دماء تقرع الفردوس فضاءات وجدانية رحبة، وقراءات نفسية صادقة لما أحبوه وتاقوا إليه وشاركهم هو هذا الشوق.‏

اللغة سهلة عذبة تصل إلى القلب مباشرة، تأنس بها الأذن ولا تستغربها، ابتعد في نفسه عن الأحاجي والألغاز، دون أن يؤثر ذلك في تماسك بنيانها بانشداد دائم إلى المثال والمطلق، لم تغره المبالغات المحببة عادة، ولم يلجأ إلى التضخيم او يستغرق في الخيال في سرد البطولات، واكتفى بتصوير الوقائع مثلما عايشها أو سمعها من ذوي الشهداء والاخوة ممن عايشوهم، ملتزماً الصدق والحقيقة، واضحاً، قلقاً، همه بلوغ الهدف وليس تشويق القارئ بأبطال وهميين لا وجود لهم في الواقع، مع التأكيد أن أبطال المقاومة الإسلامية قد حققوا المعجزات، وأن شهداءهم اخترقوا حجب الأرض والسماء بقوة الإيمان والطمأنينة والعزم الإلهي المتأصل في نفوسهم.‏

إنها رسالة مقدسة من شهداء الأمة إلى أمة من الشهداء.‏

نصري حجازي‏

2006-10-30