ارشيف من : 2005-2008
أبرز الرموز التاريخية في العراق: مسجد السهلة ملتقى الأنبياء والأئمة الأطهار
العهد/ ثقافة- 1129- 30 ايلول/ سبتمبر 2005
الكوفة ـ الانتقاد
على مسافة كيلومترين فقط شمال غرب مسجد الكوفة يمكن للزائر ان يشاهد بناءً واسعاً تعلوه مئذنة طويلة ويحيط به سور عال، ذلك هو مسجد السهلة التاريخي الذي يؤمه أناس من شتى أنحاء العراق ومن خارجه للتبرك والدعاء والتقرب الى الباري عز وجل فيه.
ومع أن مسجد السهلة يعد واحداً من أبرز وأقدم المساجد التاريخية في العالم الاسلامي، إلا أن هناك الكثيرين يجهلون خلفيته التاريخية.
أسماء ومقامات
يذكر المؤرخون ان أسماء عديدة كانت قد أطلقت قديماً على مسجد السهلة مثل (جامع البر)، و(جامع عبد القيس)، و(جامع بني ظفر)، ومن غير الواضح بماذا ارتبطت تلك الأسماء، وكذلك فإنه من غير الواضح بما فيه الكفاية أصل مفردة "السهلة" التي استقر عليها اسم ذلك المسجد الشهير.
ولكن يبدو أن تلك التسمية تعود الى وقت طويل، ففي الكافي وبحار الانوار يذكر عبد الرحمن بن سعيد الخزار، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) انه قال "بالكوفة مسجد يقال له مسجد السهلة لو أن عمي زيداً أتاه فصلى به واستجار الله لأجاره عشرين سنة".
ولعل أهم ما يميّز مسجد السهلة هو وجود مقامات عدد من الانبياء والائمة الاطهار عليهم السلام، حيث أن هناك مقام وبيت النبي ادريس (عليه السلام)، الذي كان يخيط ويصلي فيه، وهناك مقام الخضر (عليه السلام)، ومقام الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، ومقام الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، ومقام الامام الحجة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وكذلك يقال إن النبي داود (عليه السلام) سار منه الى جالوت، وإن النبي إبراهيم الخليل (عليه السلام)اتخذه بيتاً حيث انطلق منه الى اليمن للخروج للعمالقة.
وتجدر الاشارة الى أنه يوجد قرب مقام الامام الصادق(ع) بئر عميقة يبلغ عمقها ستة أمتار، كان النساء يعتقدن بأن تلك البئر تعود للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولكن بحسب أغلب المؤرخين فإنه لا صحة لهذا الاعتقاد، فالبئر لم يعد لها وجود الآن حيث تم ردمها وشيد فوقها مكان للصلاة.
تشكيل فني رائع
ويمتاز مسجد السهلة بمساحته الواسعة، إذ تبلغ نحو 17500 متر مربع، ويتخذ شكلاً مستطيلاً بطول 140 متراً، وعرض 125 متراً، ويحيط به كما أشرنا آنفاً سور عال بارتفاع 22 متراً، ومدعوم بأبراج نصف دائرية.
ويشتمل المسجد على سبعة عشر إيواناً، والمكان الرئيسي للصلاة في الجبهة الجنوبية للمسجد، أما المئذنة فيصل ارتفاعها الى نحو 30 متراً، وتقع في منتصف الضلع الشرقي، وتحيط بها من الأعلى سلة مزخرفة بأحدث وأجمل أنواع الزخرفة والنقوش الفنية، وهي مزينة بالقرميد الكربلائي، أما قبة المسجد فهي الاخرى مزينة بالقرميد الكربلائي ايضاً، وهي مشيدة فوق مقام الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وقد بادر الوجيه الحاج عبد المنعم مرزة النجفي في عام 1974 بتجديد عمارة المسجد، علماً أن عمليات ترميم وإصلاح كثيرة أجريت على عموم بناء المسجد على امتداد قرون عديدة.
وقد تعرّض المسجد صيف العام الماضي لبعض الأضرار جراء العمليات العسكرية التي شهدتها المدينة، حيث انه على أثر تلك العمليات تم إغلاق المسجد إلى إشعار آخر.
مقام الإمام الحجة (عج).. محورية المكان
ولعل أبرز ما يدفع أعداداً هائلة من شيعة اهل البيت عليهم السلام، ومن طوائف أخرى لزيارة مسجد السهلة هو مقام الإمام المهدي المنتظر، وهو عبارة عن مكان أثري مقدس كان بحسب الروايات التاريخية قد صلى فيه الامام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويتمثل هذا المقام الشريف بشباك من البرونز مشيد في فضاء صغير، ويحيط به من الجانبين الأيمن والأيسر قاعتان واسعتان للصلاة.
مساجد ومراقد مع السهلة
والملاحظ أن مسجد السهلة يكتظ بالزائرين في المناسبات الدينية مثل المبعث النبوي الشريف في السابع والعشرين من شهر رجب، وذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الثالث عشر من شهر رجب، وذكرى ولادة الإمام المهدي المنتظر في الخامس عشر من شعبان، وكذلك في المواسم الدينية ـ العبادية مثل شهر رمضان، وعاشوراء (محرم وصفر).
وما تجدر الاشارة اليه هو أن وجود مسجد السهلة بالقرب من مساجد ومراقد ومزارات أخرى يضفي عليه أهمية أكبر، ومن تلك المساجد والمزارات والمراقد، مسجد الكوفة الذي ربما لا يقل أهمية عن مسجد السهلة إن لم يكن يفوقه، وكذلك مسجد صعصعة بن صوحان البعدي، وأخيه زيد بن صوحان العبدي، وهما من أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، ومسجد الحمراء، وهو مسجد النبي يونس بن متى، أضف إلى ذلك هناك مراقد لعدد من أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السلام، كمرقد مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وهاني بن عروة، وضريح المختار بن أبي عبيدة الثقفي الآخذ بثارات الحسين (عليه السلام)، ومرقد الصحابي الجليل ميثم التمار، ودار الإمام علي (ع)، وقبر خديجة بنت الإمام علي، وقبر السيد ابراهيم الغمر بن الحسن السبط بن الإمام علي، وقبر السادة أولاد الحسن (عليه السلام).
كل تلك المراقد والأماكن المقدسة ساهمت مع بعضها البعض في إضفاء أهمية تاريخية ودينية وحضارية على مدينة الكوفة، عاصمة دولة الخلافة الاسلامية في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وساهم كل منها في إضفاء أهمية على الآخر، لأن من يؤم واحداً منها لا بد له أن يؤم الآخر.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018