ارشيف من : 2005-2008

شرط الإبداع

شرط الإبداع

المستغرقون في شؤونهم الصغيرة المتعلقة بالعيش في هذه الحياة القاسية في ظروفها ومتطلباتها, كيف لهم أن يتفرغوا للقراءة والكتابة حتى ينتجوا لنا أدباً عظيماً يعالج قضايا الإنسان في سعيه المحموم لتحقيق ذاته, والتعرف الى هدفه الحقيقي في هذه الحياة, ومن ثم السعي إلى تحقيقه بعزم وثبات. قد يقول قائل إن التفرغ للكتابة وما يدور في فلكها من الأنشطة الثقافية ليس ضرورياً لإنتاج أدبٍ عظيم، ويكفي الإنسان الموهوب قليلاً من الوقت لكي ينتج أعمالاً أدبية رائعة, وربما يستشهد أصحاب هذا الرأي ببعض الكتّاب الذين تركوا آثاراً خالدة برغم أنهم لم يتفرغوا للإنتاج الأدبي.‏

يتجاهل القائلون بالرأي السابق أن إجادة أي عمل تتطلب وقتاً كافياً, وهم يوافقون على أن أي سلعة أو خدمة ـ بالمعنى الاقتصادي ـ تتطلب تهيئة ظروف النجاح, ويستكثرون على صناعة الأدب الوقت والجهد اللازمين ـ برغم اعترافهم بأهمية الأدب وبدوره في بناء شخصية الإنسان ـ فحتى نصنع حذاءً أو لفافة تبغ ينبغي تأمين شروط الإنتاج، أما صناعة أدب حقيقي يزرع القيم والمعنويات والعقائد الحقّّة في وجدان الأجيال فمتروكة لطلاب المدارس الثانوية البارعين في الإنشاء.‏

إنها لمفارقة حقاً.‏

في بلادنا يمكن للإنسان أن يتفرغ لكل شيء ما عدا الأدب.‏

التفرغ للسياسة واجب والتفرغ للتجارة أوجب والتفرغ للمجالات كافة شرط أساسي للنجاح فيها، أما التفرغ للكتابة فهدر للوقت في ما لا طائل من ورائه, وبعد ذلك نسأل لماذا يفرّ الناس من الكتاب؟ ونفتش في كل الزوايا عن الأسباب وهي بمعظمها موضوعية، ولكن سبباً آخر كان ينبغي التنبه إليه وهو أن هذا الكتاب الذي نتحدث عنه هو كتاب رديء لأنه لم يأخذ الوقت والجهد الكافيين لصناعته التي أصبحت في هذه الأيام صناعة ثقيلة.‏

حسن نعيم‏

الانتقاد/نقطة حبر ـ العدد 1162 ـ 19 أيار/مايو 2006‏

2006-10-30