ارشيف من : 2005-2008
السبق الصحافي أثناء الحروب:استنفار لوجستي ومالي
الانتقاد/ مقالات ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول/سبتمبر 2005
مع لحظة اندلاع الحرب تكون وسائل الإعلام على موعد مع استعدادات خاصة، واستنفار على أعلى الدرجات، وحركة فوق المعتاد، و"أدرينالين" بأقصى ارتفاع. وبالطبع هناك الإعلامي الميداني الذي يكون كرأس حربة، وهناك أيضاً مراسلون في الخطوط الخلفية، وفي عواصم القرار والمراكز المعنية بالحدث.
كل هذه المسؤولية مردها الى السبق الصحافي، ووصول مؤشر المنافسة بين وسائل الإعلام الى ذروته. ففي أوقات الحروب تصل نسبة المتابعة والمشاهدة والمطالعة الصحافية حداً مفصلياً بالنسبة الى وسيلة الإعلام، فهي في هذه اللحظات على موعد مع "زبون" جديد يمكن كبسه أو العكس، حيث تخسر هذه الوسيلة شريحة من متابعيها بسبب تغطية أوسع ودقة أكبر توجد عند غيرها. ومن المعروف ان محطة الـ"سي.إن.إن" قد نالت شهرتها الواسعة وتحول مراسلوها الى نجوم أثناء تغطيتها حرب الخليج الثانية.
"سي.إن.إن"
بعد احتلال القوات العراقية الكويت في آب 1990، وأثناء حرب الخليج في مطلع العام 1991، اكتشف العالم بأسره مدى قوة تأثير البث التلفزيوني المباشر عبر شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، التي حظيت بامتياز تغطية الحرب من ضفتيها العراقية والأميركية. ومنذ ذلك التاريخ ظهرت شبكات تلفزيونية عديدة في العالم وفي المنطقة العربية على وجه التحديد، حاولت تقليد الشبكة الأميركية التي صارت أبرز الأدوات الإعلامية الأميركية في مختلف أنحاء الأرض، وبدا تأثيرها ضخماً مع كل نزاع عسكري تشارك في تغطيته.
الجزيرة
لكن الدولاب دار، والفرصة بعد عشر سنوات كانت من نصيب "الجزيرة" القطرية، اذ كانت الشبكة الوحيدة التي سمحت لها حركة طالبان الافغانية بتغطية الحرب والبث مباشرة من المناطق الخاضعة لسيطرتها. وقد أدى هذا الأمر الى ارغام العديد من محطات التلفزة العالمية على نقل الخبر والصورة مباشرة عن المحطة القطرية. وكان التتويج سنة 2003 مع تغطية الجزيرة الغزو الأميركي للعراق، مع ما تلا ذلك من أشرطة كانت تُرسل للمحطة من بن لادن الى الظواهري الى الجماعات التي تقتل وتذبح.. مروراً بشريط "أبو عدس".
الميزانية
كل هذا يستلزم ميزانية ضخمة واستثنائية تتطلبها وقائع الأرض والفضاء. وعن هذه الميزانيات الضخمة نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" في مطلع شهر تشرين الثاني من سنة 2001، تقريراً تناولت فيه الأرقام والنفقات أثناء الحرب على أفغانستان، فذكرت أنه في سبيل هذه الحرب كرّست وسائل الإعلام الأميركية موارد مالية ضخمة، الأمر الذي يهددها بالتعرض لخسائر مالية كبيرة. ويقدر المحللون الماليون في "وول ستريت" حجم النفقات الاضافية التي اضطرت وسائل الإعلام الأميركية لدفعها منذ بدء الحرب بنحو 100 مليون دولار أميركي، أي ان كلاً من الشبكات التلفزيونية الرئيسية الثلاث تنفق نحو مليون دولار يومياً زيادة عن موازناتها العادية.
وترى إحدى المحللات في شركة "ميريل لينش" الأميركية أن مجموعة "غانيت" التي تمتلك 97 صحيفة من ضمنها "يو.إس.آي. توداي"، و"نيويورك تايمز"، أنفقت ما بين 3 و 4 ملايين دولار لشراء كميات اضافية من الورق ونقل المراسلين الى منطقة جنوب آسيا وتأمين الاتصالات لهم مع مطبوعاتهم. لكن الشبكات التلفزيونية الرئيسية الثلاث لا تواجه المشكلات المالية التي تعاني منها الصحف، لأن الأولى ملك لشركات متعددة الجنسيات ذات امكانيات مالية ضخمة، مثل شبكة "سي.إن.إن" التي تملكها مجموعة "أ.أو.أل. تايم وورنر"، وشبكة "إن.بي.سي. نيوز" التي تملكها مجموعة "جنرال إلكتريك"، فهذه الشبكات ترى أن تغطية الحرب ستكون مفيدة لسمعتها المهنية على المدى الطويل، على نحو ما جرى عندما غطت شبكة "سي.إن.إن" حرب الخليج في العامين 1990 و1991.
الجدير ذكره أن أجر المراسل يرتفع بشكل استثنائي فترة تغطيته الأماكن الساخنة، وتحديداً أثناء الحرب.
اذاً فللحروب أوجه أخرى يتجلى أحدها من زاوية التغطية الإعلامية، لدرجة أن المحطات تصبح غرف عمليات، والمراسلون قادة ميدانيين.
عبد الحليم حمود
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018