ارشيف من : 2005-2008
السطو الأدبي في ظل غياب حقوق الملكية الفكرية
الانتقاد/ ثقافة- 1128- 23 أيلول/ سبتمبر 2005
قول: "لا جديد تحت الشمس" لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي ونتخذ الاستسهال منهجاً في حياتنا، فيغيب التأليف والابداع والابتكار لمصلحة النسخ والتقليد الببغائي.
تكمن عمليات السطو الأدبي في مختلف عناوين الحياة من أنواع الطعام الى ألوان الأعلام الى أسماء الكتب والأفلام، وصولاً الى اللوحات الفنية والنصوص الشعرية، مروراً بالابتكارات العلمية وأسرار الأسلحة. كشف عمليات الاستنساخ دونه عقبات عدة، منها غياب المتابعة والثقافة المتخصصة والجرأة النقدية التي تسمح بإظهار الحقيقة دون أي تسويف.
واليوم وبرغم تسجيل براءات الاختراعات والقوانين التي تحمي حقوق الملكية الفكرية، وحقوق الوكالات الحصرية، برغم هذا ما زلنا نشاهد يومياً منتجات وسلعاً واختراعات واعلانات وقصائد وروايات مسروقة أو مقتبسة،"وعلى عينك يا تاجر".
.. وللسطو جذور!
يقول الفرزدق: "نحن الشعراء أسرق من الصاغة". وهو هنا ينطلق من تطابق بعض الأبيات والتشابيه، بعيداً عن مقولة "توارد الخواطر" أو "وقع الحافر على الحافر". من هنا نستخلص أن السطو والسرقات لها مكانتها في التاريخ وعند كل الشعوب برغم أن بعض هذه العمليات، ساهم ايجاباً في تطوير هذه الشعوب من النواحي الفكرية والطبية والعسكرية والعمرانية، وحتى الدينية.
تثبت المراجع ان العرب تناولوا "الانتحال" و"الاغارة" و"السطو" و"الاقتباس" و"الاختطاف" و"المحاكاة" و"التأثير". وقد عملوا على تبويب وتصنيف هذه العناوين وتحديد قوانين كل منها، علماً أنهم لم يعترضوا على السرقات الذكية التي تستبطن التحوير والاضافة والتخليص، ما يؤدي الى نتاج جديد يحمل عناصر الخصوصية.
وقال العرب ان الاقتباس مشروع في حال ذكر المصدر وإلا صار سرقة. ولا ضير من "التأثر". أما "التضمين" فقد انقسموا في توصيفه، فمرة هو احتيال ومرة هو براعة.
في دراسة للكاتب صقر أبو فخر (النهار ـ الملحق ـ 29 ـ 4 ـ 1995) تناول فيها موضوع السرقة يقول: "وكان دافع العرب الى هذا الجهد المضني وهذا التقصي الدائب، هو الرغبة في مطاردة احتيالات الشعراء وفضح محاولاتهم في اخفاء "سرقاتهم". وما كان هذا الجهد المتواتر ليكون ضرورة لو لم تكن السرقة بالكلمات قد شاعت في الأدب العربي، وفشا السطو على العبارات، وعمّ خطرها الذائقة الأدبية للعرب.
ومن هنا نلفت الى أن غياب المدهش، الجديد، الطازج، يترك أثراً سلبياً على ايقاع الحياة، خاصة اذا كان الملل واحدة من الصفات الانسانية الطبيعية.
ذكاء سرقات الكبار
اذا توقفنا عند الشعر الحديث فمن الضروري ذكر أن فضائح السطو كثيرة، وعند شعراء كبار، وهي عمليات تعتمد على الترجمة عن الالمانية أو الفرنسية والانكليزية أو الفارسية، وهي لغات غير بديهية الى درجة أن القراء العرب غير مطلعين ومتابعين لما تصدره دور النشر في هذه البلدان، علماً أن سرقات الشعراء الكبار تتسم بالحنكة والذكاء عبر وصل جملة من هذا الشاعر وسطر من ذاك فتكتمل القصيدة. ويبدو أن أحد الشعراء الشباب لم يكن يعرف "قوانين" السطو المحترف فاختار أسهل الطرق، وعمل على انتحال قصيدة كاملة للشاعر السوري محمد الماغوط هي "خوف ساعي البريد". وقد قدمها أحمد الحسن "بلا عنوان". وهذا مطلعها: "ايها السجناء في كل مكان/ ابعثوا لي بكل ما عندكم من رعب وعويل وضجر/ أيها الصيادون على كل شاطئ/ ابعثوا لي بكل ما لديكم من شباك فارغة ودوار البحر...".
هذا وقد أغار هذا الشاب "المستشعر" على قصيدة أخرى انما للشاعر فوزي بصو كانت قد نشرت في جريدة البعث (15 ـ 7 ـ 1996) وقد ضمّها لديوانه، مع اضافة مقدمة صغيرة، وهنا نسأل عن باقي القصائد ومصادرها؟!
علي حرب
منذ ما يقارب التسع سنوات صدر للكاتب اللبناني علي حرب كتاب "أوهام النخبة". وقد ترك صدىً مؤثراً وجدلاً ثقافياً حينها، لكن بعد أربع سنوات، وتحديداً في عام 2000 كتب العراقي جمعة الحلفي مقالاً في العدد 26 من مجلة "النقاد" تحت عنوان "أوهام المثقف". وقد تضمن هذا النص مقاطع كاملة لعلي حرب تم تعديل كلمات قليلة فيها، لم تنجح في اخفاء المصدر. هذا وقد قام الكاتب سلمان زين الدين بمقارنة دقيقة بين النصين، وقد نشر المقال في العدد 30 من "النقاد".
"اليزيديون"
"اليزيديون في حاضرهم وماضيهم" هو كتاب للمؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسيني، وقد صدرت طبعته الاولى سنة 1929 ثم تتالت طبعاته حتى تجاوزت العشر.
سنة 1988 صدر للدكتور محمد التونجي كتاب "اليزيديون، واقعهم، تاريخهم، معتقداتهم" عن الدار السلفية بالكويت، وكان واضحاً للعين ان الكتابين يتشابهان في الترتيب وعناوين الفصول والاقتباسات والهوامش والخلاصات والفهرس، الى حجم الكتاب وعدد الصفحات، فكل منهما استغرق 158 صفحة.
وعن المقارنة الدقيقة كان هناك بحث للكاتب رشيد خيون نشر في صحيفة "الشرق الأوسط". وقد كان للدكتور التونجي رد على المقالة نفى خلاله أي سرقة.
بين سلطاني ونصار
بتاريخ 7 ـ 9 ـ 2001 وفي ملحق "السفير" الثقافي كتب سيمون نصار موضوعاً بعنوان "لورنس داريل بدأ شاعراً لكن الرواية قصيدته الحقيقية". تضمن مقدمة وترجمة لثلاث قصائد. لكن تبين ان الموضوع هو بالأساس لـ"فاضل السلطاني"، وقد نشر في الحياة بتاريخ 10 ـ 3 ـ 1997، والذي يقرأ الموضوعين سيكتشف ان الاستنساخ كان كاملاً، والتعديل لم يتخط كلمات قليلة لا تغيّر شيئاً في المعنى.
الحركة الطلابية
بعد أن صدر كتاب "الحركة الطلابية في لبنان: خمسون عاماً من النضال" لعماد الزغبي، قرأنا لخضر عبد النور توضيحاً في مقال ظهر في مجلة "النقاد" العدد 100، وفيه يورد أن الكثير من مقاطع الكتاب هي منتحلة عن دراسة لإبراهيم حيدر نشرت في "ملحق النهار" 27 ـ 2ـ 1993، وقد تبين أن ما يقارب 22 صفحة من الكتاب تتناول حقبات مختلفة من تاريخ الحركة الطلابية نسخها حرفياً من ملف ابراهيم حيدر.
لوتريامون
عن دار النهار صدرت مجموعة شعرية للشاعر أحمد ديبو تحت عنوان "الماء البارد"، ومن قصائده واحدة يلتبس نصها مع أناشيد لوتريامون الفرنسي الذي ألهم السورياليين واعتبروه اباهم الروحي، علماً أنه رحل في الخامسة والعشرين من العمر.
قصيدة ديبو معنونة بـ"هذيان الحب والرماد" وفيها نلاحظ التقمص العام للوتريامون ومناخات قصائده بحيث نلمس الانتحال والاقتباس والتأثر بالكلمات السوريالية المرتكزة على الحس المتمرد الذي عرف به لوتريامون.
أحلام مستغانمي
بعد نجاح رواية "ذاكرة الجسد" للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، قامت الكثير من الأصوات واتهمت مستغانمي بأنها استعانت بالشاعر العراقي سعدي يوسف في كتابة روايتها، ثم قام الكاتب المصري رجاء النقاش باجتهاد خاص اتهم فيه الكاتبة بسرقة الكاتب حيدر حيدر عبر كتابه "وليمة لاعشاب البحر". لكن الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق، وبتاريخ 3 ـ 8 ـ 2001 كتبت في جريدة "السفير" مقالاً ردت فيه على النقاش وعلى هؤلاء الذين يقولون بدور لسعدي يوسف أو نزار قباني في كتابه النص، لكن الفاروق تعود وتكشف عن تأثر مستغانمي بالكاتب الجزائري مالك حداد، ثم استعرضت نصوصاً لحداد وأظهرت فيه التشابه مع نصوص أحلام مستغانمي.
الرجوع عن الخطأ
بعد أن نشرت مقالاً في مجلة العربي (عدد 545) تحت عنوان "الجاحظ مفكراً معاصراً"، عادت الكاتبة الدكتورة طيبة صالح الشذر ونشرت اعتذاراً في المجلة ذاتها (عدد 557) وفيه توضح أن المقال هو للدكتور داود سلام كانت قد نقلته في أواخر السبعينيات، واستودعته مكتبتها، ثم نسيته لسنوات طويلة حتى عادت وعثرت عليه فظنته من بنات أفكارها فقررت نشره، لكن بعد مدة اكتشفت ان المقال المذكور يحمل توقيع كاتب آخر، فقررت الاعتذار والتوضيح.
و"يخلق من الشبه أربعين"!
عبد الحليم حمود
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018