ارشيف من : 2005-2008

المهدي (ع) في الكتاب والسنة

المهدي (ع) في الكتاب والسنة

الانتقاد/ ملف ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول / سبتمبر 2005‏

"ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".‏

ورد في تفسير هذه الآية الكريمة أن "الزبور" كتب الأنبياء، و"من بعد الذكر": أي من بعد كتابته في الذكر (اللوح المحفوظ).‏

ولقد قال الامام الباقر (ع) في معرض بيانه للعباد الصالحين: "هم أصحاب المهدي في آخر الزمان".‏

وروى المسلمون بكل طوائفهم عن النبي (ص) أنه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا الا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً صالحاً من أهل بيتي يملأ الارض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً".‏

وقال الله تعالى: "ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".‏

ولقد فسّر الامام مالك بن أنس إمام المالكية، الآية على ما رواه أبو الفرج الأصفهاني، أن العلويين عندما أصابهم الاضطهاد العباسي واشتد عليهم الأذى، شكى محمد بن جعفر العلوي الى مالك بن أنس ذلك الاضطهاد، فأجابه مالك: اصبر حتى يجيء تفسير هذه الآية: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و...".‏

ورد عن رسول الله (ص): أبشركم بالمهدي، يُبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً.. فقال رجل: وما صحاحاً؟ قال (ص): بالسوية بين الناس.‏

وفي رواية أخرجها أحمد والماوردي ـ وهما من كبار علماء أهل السنة ـ أن النبي (ص) قال: أبشروا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الارض عدلا وقسطا كما مُلئت ظلما وجورا. (ذكر هذا الحديث ابن حجر في الصواعق المحرقة ـ ص 99، والسيوطي في الحاوي للفتاوى، ج2 ـ ص 58).‏

قال الامام أحمد بن حنبل: حدثنا حجاج والحافظ أبو نعيم: سمعت علياً يقول: قال رسول الله (ص): "لو لم يبقَ من الدنيا الا يوم لبعث الله رجلاً منا يملؤها عدلا كما مُلئت جوراً". وقال أبو نعيم: رجل مني، أي من علي (ع).‏

روى الشيخ الصدوق أن أحمد بن اسحاق قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري (ع) يقول: الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي أشبه الناس برسول الله (ص) خَلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ثم يظهره فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما مُلئت جورا وظلما. (المجلسي في بحار الأنوار "ج51 ـ ص 161").‏

من هو الامام المهدي (ع):‏

هو ابن الامام الحسن العسكري (ع) الذي توفي سنة 260 هجرية، وكان عمره ثمانية وعشرين عاماً. وأما أم الامام المهدي فهي نرجس، واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمها من ولد الحواريين، تنتسب الى وصي المسيح (ع) شمعون. وكانت قد رأت في منامها أن النبي محمداً (ص) قد خطبها من المسيح (ع) الى ابنه ـ من ذريته ـ الامام الحسن العسكري (ع). وكانت قد جُلبت بواسطة الفتح الاسلامي الى سامراء حيث أخذها الامام علي الهادي (ع) وزوّجها من ابنه الامام الحسن العسكري (ع).‏

كانت ولادته المباركة في الخامس عشر من شعبان سنة 255 هجرية بـ"سرّ من رأى"، في عهد الخليفة العباسي محمد بن الواثق الملقب بالمهتدي، الذي استلم السلطة قبل ولادة الامام المهدي بثمانية عشر يوماًَ، وذلك بعد مقتل والده المعتز. وقد استمر حكم محمد المهتدي نحو سنة، ثم وقع الخلاف بينه وبين الأتراك فأجهزوا عليه وقتلوه، وتولى الخلافة من بعده المعتمد أحمد بن جعفر المتوكل العباسي.‏

وبعد وفاة أبيه الامام الحسن العسكري (ع)، تقدم جعفر أخو الامام العسكري ليصلي على الجثمان الشريف أمام الجموع، وإذا بهم يشاهدون صبياً يخرج فيجذب رداء جعفر بن علي ويقول له: "تأخر يا عم، فأنا أحق بالصلاة على أبي.. فيتأخر العم بعد أن اصفر لونه، ويتقدم الامام المهدي (ع) ويصلي على أبيه في الناس".‏

غيبة الامام المهدي (ع) وسفراؤه:‏

استغرقت الغيبة الأولى للامام المهدي ـ المعروفة بالغيبة الصغري ـ سبعين عاماً، كان فيها يتصل بأتباعه من خلال سفرائه الأربعة وهم:‏

1 ـ عثمان بن سعيد العمري، كان وكيلاً خاصاً للإمام علي الهادي (ع)، وكان الامام الهادي يكثر من مدحه والثناء عليه بقوله: "امضِ يا عثمان فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله".. ويقال له السمّان، لأنه كان يتاجر بالسمن، وكان الشيعة إذا حملوا الى الامام الحسن العسكري (ع) ما يجب عليهم حمله من الأموال، أنفذوا الى أبي عمر فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله الى أبي محمد العسكري تقية وخوفاً. (المجلسي في بحار الأنوار ـ "ج 51 ـ ص 344"). وقد تولى السفارة مدة خمس سنوات تقريباً.‏

2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري، وهو ابن السفير الأول. قال فيه الامام العسكري (ع) لوفد من اليمن: "اشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد وكيلي، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديّكم". وقد بقي مضطلعاً بمسؤولية السفارة نحواً من أربعين سنة حتى توفي رحمه الله.‏

3 ـ الحسين بن روح النوبختي. وكانت مدة سفارته إحدى وعشرين سنة تقريباً.‏

4 ـ علي بن محمد السمري.. تولى السفارة ثلاثة أعوام، ولما حضرته الوفاة أرسل له الامام المهدي (ع) برسالة يقول فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً.. وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".‏

وأما غيبته الكبرى فقد بدأت بعد موت السفير الرابع علي بن محمد سنة 329 هجرية، الى أن يأذن الله تعالى له بالظهور فيملأ الأرض عدلاً.. ويومها يتحقق تأويل هذه السورة المباركة كاملة، حيث يقول الله تعالى:‏

"إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فسبح بحمد ربّك واستغفره إنه كان تواباً".‏

حسن علي مصري‏

2006-10-30