ارشيف من : 2005-2008
في الخامس عشر من شعبان: إقامة العدالة هل تستدعي نهاية الامبراطوريات والطواغيت؟!
الانتقاد/ ملف ـ العدد 1127 ـ 16 أيلول /سبتمبر 2005
تتوجه أنظار البشرية جميعها الى الآتي، وما تختزنه الايام القادمة من أحداث وتوقعات تخفق لها قلوب العالمين متوجسة على مستقبلها ومآلها، انه العالم يضجّ بالآلام ويعجّ بالصارخين المتعبين، حروب وكوارث ومجاعات وحرائق وأعاصير، ثقبٌ في الاوزون، ارتفاع في حرارة الارض ، ذوبان لجبال الجليد، تقلص للمساحات الخضراء، تلوث في الطبيعة، تجارب نووية، امراض سارية، اوبئة في اصقاع الارض، تتجه الارض لتمسي غير صالحة للسكن، ولما يكتشف البشر عالماً آخر يمكنهم ان يرحلوا اليه وينتقلوا للسكن فيه، لا مجال امامهم سوى هذه الكرة الارضية، ولا خيار عندهم سوى اصلاحها، ما يستدعي ان يقوم عقلاء هذا العالم بمعالجة الازمات القابلة لذلك (اي للعلاج) رحمة بسكان الارض وبعالم الانسان..
ولو اننا جمعنا العقلاء في مؤتمر عالمي هدفه اصلاح الطبيعة وتصحيح مسار البشر ومعالجة الآفات، وكان العقلاء متجردين من لوازم انتماءاتهم السياسية والجغرافية ومن انطباعاتهم المسبقة، وتجردوا ايضا عن مصالحهم وأنانياتهم، وذهبوا نحو امهات العلل التي تقف وراء خراب العالم، وتنحو به اكثر نحو الهلاك، فإنهم سيصلون الى نتيجة يقينية بأن كل ما يحدث في العالم اليوم او جلّه هو بسبب الظلم والفساد؛ فالظلم هو الذي يقسّم العالم الى مستويات وطبقات، وهو الذي ينتج الفقر والمجاعات، وهو الذي ينشب الحروب ويعمّم الدمار وهو الذي يصنع الاوبئة وينشر الازمات، والفساد من جهته هو الذي انتج الامراض الخطيرة، والتحلل الاجتماعي، وقلّص مساحة المشاعر الانسانية في النفوس، وعزز الانانية واتساع روحية الاستئثار وخرّب الاسر، وسرّى ثقافة اللامبالاة وعدم المسؤولية، وضرب القيم الانسانية في المجتمعات، وكل ذلك بحسب الظاهر، أما اذا دخلنا في عمق التحليل وتوجهنا الى الآثار التكوينية للفساد لعلمنا بأن كل المشاكل الكونية سببها هذا الانتشار المريع للفساد في البر والبحر، والذي تتراكم مفاعيله لتنفجر بركاناً او تهب اعصاراً او ترتفع لهيباً وناراً، فالله سبحانه وتعالى عبر عن ذلك بقوله "ظَهرَ الفَسادُ في البَرّ والبحْرِ بِما كَسبتْ أيْدِي النّاس ليُذِيقَهم بَعضَ الذِي عَمِلوا لَعلّهم يَرْجِعُون"، فالناس هم مصدر هذا الفساد وسوف يبتلون بنتائجه ويذوقون آثاره (ليذيقهم بعض الذي عملوا) ولم يقل سبحانه ليذيقهم بفعل الذي عملوا، بل قال يذيقهم بعض الذي عملوا، اي ان الذي عملوه له صورة وله آثار متناسبة مع ماهيته، ويظهر ذلك في المفاعيل الكونية التي يذوق مرارتها الناس.
وعليه فإن علة العلل لما يحصل تتمثل بـ: الظلم والفساد، وليس الظلم والفساد بالمعنى المفهومي النظري، وانما المتجسدان في جهات بشرية جماعية او فردية تسببهما وتنشرهما وتبثهما في هذا العالم.
فإذا عدنا الى بحث العقلاء، وفي حال اقروا بالسبب بحسب المنطق القرآني، فإنه ومن باب الواجب عليهم ان ينهضوا لانقاذ العالم ولنجاته من الهلاك، وهذا الواجب يتحول الى المسؤولية الفعلية عن ضرب الظلم والفساد في العالم، وبالتالي فإن المهمة تصبح لكل عقلاء العالم بأن يعملوا على انهاء الظلم والغاء الفساد، او تقليصهما الى الحد الذي يمكن معه ان تبقى الحياة قائمة في الارض، وان هذه المهمة تعني حكماً المواجهة مع مصادر الظلم والفساد، وعلى رأس هذه المصادر اليوم اميركا في العالم و"اسرائيل" في منطقتنا!.. وقد يكون ما يحصل في العالم اليوم هو تحقق للوعد الالهي الذي قضى لبني اسرائيل في الكتاب ليفسدن في الارض، وقد حددت مساحة الافساد بالارض. فالذين يشرفون اليوم على سياسات الفساد في العالم والذين يمتلكون مؤسسات نشر هذا الفساد هم اساساً الصهاينة وأتباعهم.
وبالنسبة لاميركا، فالمطلوب ان يتوجه خطاب من العقلاء الى الشعب الاميركي فحواه الحرص والتحذير، الحرص على حياتهم والتحذير من السكوت على سياسات الادارة الاستكبارية، لان هذا العالم اليوم يتلوّى ألماً مما تجنيه ايدي الادارة الاميركية، وما ترتكبه من مجازر ودمار في العالم، وما تبثه من ازمات، وما تفتعله من مآزق للدول وللجماعات البشرية، وان الشعب الاميركي معني اليوم اكثر من غيره لكونه معرّضاً لآثار تلك السياسة، ان يهبّ للصراخ في وجه ادارته، وأن يصل الى حد اسقاطها للحفاظ على انجازاته المدنية، بل على حياته، وليس هذا الكلام هو وليد اللحظة، ونتيجة ما حدث في اعصار كاترينا، وانما هو مفاد الآيات والنصوص التي اكدت على العلاقة الحتمية بين الظلم والفساد من جهة، وبين الدمار والهلاك والابادة من جهة أخرى، فها هي صفحات قرآننا العظيم تعج بالسنن والآيات والمثلات التاريخية الحية النابضة بالامثلة والقرائن التي حصلت مع أمم وطواغيت عمروا هذه الدنيا وأفسدوا فيها وذاقوا عاقبة امرهم صواعق واعاصير وصيحات وطيور كاسرة وحجارة من السماء وامطار غزيرة وغير ذلك من الآيات المخيفة والمرعبة التي مثلت الصورة الوحشية لافعالهم، والتي كانت سبباً حقيقياً لازالتهم من الوجود، وهذه السنن ستبقى جارية في التاريخ، وان كل امة كعاد او ثمود، وكل طاغوت كفرعون او النمرود، كلهم سيبادون لنفس الاسباب وبنفس الآيات وبذات الطرق والادوات، وان الامة التي تسكت عن الطواغيت ستتحمل تبعات ذلك.
وقد لخص سبحانه تعالى مآل الممالك والامبراطوريات بقوله "وإنْ مِن قَريةٍ الا نحنُ مُهلِكُوها قبْل يومِ القِيامةِ او مُعذّبوها عذاباً شديداً"، ولفظة "إن" تعني الاستغراق والتعميم، فبحسب السنة الالهية الجارية فإن كل مجتمع بشري غير الهي سوف يتعرض للهلاك او للعذاب قبل يوم القيامة.
وبناءً على ما تقدم فإن خلاص العالم من آفاته ومشاكله يتقوم بإزالة الظلم والفساد، وذلك لا يتحقق الا بإزالة اسبابهما ومصادرهما والجهات التي تبثهما في العالم، ونحن اليوم وفي ذكرى الخامس عشر من شعبان، ذكرى ولادة امام المستضعفين نستحضر معاً تلك المهمة التاريخية العظمى لهذا الامام العظيم، الذي تتمحور حول تقويم مسار البشرية والتوجه بها نحو الترقي بالعبودية، وهذه المهمة التي لا تقوم الا على قاعدة الاستقرار والثبات للبشر في عالمهم الدنيا، اذ كيف سيوجّه الامام البشر نحو العبودية اذا كانت حياتهم مضطربة وتلفهم الازمات من كل جانب كما يحصل اليوم (حروب، امراض ، كوارث..)، ان على الامام اولاً ان يزيل أسباب الأزمات، وهي الظلم والفساد، ويقيم العدالة، وبعد ذلك يمكنه ان يتحول الى مخاطبة عقول الناس وارواحهم.
من هنا كانت مهمة الامام الاساسية وشعاره الرئيسي الذي حفلت به الروايات "ليملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً". فعندما يقوم الامام وينجز وعده بإزالة الظلم والجور ونشر العدالة في العالم، فإن الارض تستقر والامل يعود للانسان، وتزول معالم الخراب والدمار"، وتخضرّ الارض وتزهو الكائنات، وفي هذا المناخ النفسي المطمئن تتهيأ الفرصة لنشر الاسلام والقيم والفضائل.
د.بلال نعيم
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018