ارشيف من : 2005-2008
نحو عطلة صيفية أفضل
الانتقاد / تحقيقات ـ العدد 1118 ـ 15 تموز / يوليو 2005
مع نهاية العام الدراسي وبداية العطلة الصيفية، يشعر الآباء بحيرة شديدة وعبء ثقيل يقع على كاهلهم.. فقد أصبح الأولاد مسؤوليتهم وحدهم، وتخلت المدرسة عن القسط الأكبر الذي تحمله من تلك المسؤولية خلال العام.. وهو وضع يشعرهم بالارتباك والحيرة، فكيف يجب أن يواجهوا ذاك الموقف المتجدد كل عام؟
العطلة الصيفية بما أنها فراغ دراسي طويل على مدى أشهر، توقع الأهل بالحيرة مرتين: مرة لأن الأولاد سيكونون معهم طول أوقات النهار، وهكذا فإن هامش هويتهم سيضيق، ومقداراً لا بأس به من الإزعاج سيلحق بهم نتيجة ذلك، ونتيجة الضجيج الذي يحدثونه غالباً.. ومرة لأن كيفية استغلال هذا الوقت الممتد على مدى ثلاثة أشهر أمر في غاية الصعوبة.
المدرسة ليست مؤسسة مقدسة
في اعتقاد غالبية الأهل أن عدم وجود الأولاد بين جدران المدرسة يحرمهم من فرصة التعلم، وفي ذلك هدر غير مبرر للوقت باعتقادهم يسعون لتفاديه ما أمكن، حماية لأولادهم من البلادة الذهنية. ولحل المشكلة التي يفترضون وجودها، يلجأون الى وضع البرامج التعليمية أو الى الاستعانة بالبرامج المدرسية التي توفرها بعض المدارس لطلابها خلال الصيف.. أو يلجأون الى إلحاق أطفالهم بدورات صيفية تؤمنها بعض المدارس أيضاً لتجنبهم نسيان المواد التي تعلموها خلال الشتاء. والواقع أن استمرار الطفل في التعلم خلال العطلة الصيفية بهذه الطريقة المقننة والمدروسة ليس بالأمر المطلوب والسليم، ذلك أن تحويل البيت الى مدرسة خلال العطلة ليس إجراءً تربوياً سليماً حتى لو بدا ذلك لبعض الآباء، لأن المدرسة بحد ذاتها على ما تؤمنه للطفل من فرص للتعليم والاتصال بغيره من الأولاد، وعلى ما في التعلم والاتصال بالأصدقاء من فائدة لنموّه العقلي والنفسي، ليست المجال الوحيد للتعليم في الحياة. وهي فضلاً عن ذلك تعاني في تركيبتها ـ كمؤسسة ـ الكثير من الثغرات التي تسيء الى صحة الطفل النفسية وحتى العقلية أحياناً، بدلاً من أن تفيده. فهي من جهة تحجز حريته بين جدرانها، والحرية شرط مهم من شروط نموّ الطفل، ومن جهة أخرى تهدر الكثير من طاقاته الكامنة ضمن قوانينها الصارمة التي لا تسمح باستخراج تلك الطاقات.. إضافة الى أنها لا تقنن فقط حركة جسده، بل تقنن حركة عقله أيضاً، وتجعله وعاءً يتلقى ما يرمى فيه مما هو مضر أو نافع.. لا فرق.
إذا ما عرف الأهل كل ذلك واعتقدوا به، وهو ما يصعب أن يحدث في الزمن الحالي لشدة ما تتمتع به المدرسة من هيبة في نظر الآباء والأمهات، فقد عرفوا عندئذ أن أي شكل من أشكال التعليم المقنن خلال العطلة الصيفية هو ظلم للطفل، وبالتالي أصبح إلحاق الطفل بدورات تعليمية خلال العطلة قراراً يفتقر الى الحكمة، لأنه يجعل الطفل يدور في ذلك المحدود من التعلم الذي وإن كان ضرورياً الى حد ما، إلا أن امتداده على وقت الطفل كلّه يصبح معاكساً لمصلحته.
فرصة للحريّة
إن العطلة الصيفية هي فرصة من حق الطفل استغلالها، لأن الحرية حاجة ضرورية وأساسية لديه، لا تحترمها الأنظمة المدرسية بسبب كثافة المادة التعليمية في الغالب. والمدرسة في الوقت الذي تعمل فيه على إعداد الطفل للحياة، لا تتوانى عن مصادرة حقه فيها، فهي تحرمه من عيش طفولته كما هي.. وهي في إطار تقنينها لأوقاته داخلها بين حصة وأخرى وبين مادة تعليمية وأخرى، تحول تلك الحياة الى عبء عليه قبل أن يتحمل المسؤوليات. ولا تكتفي المدرسة بما تأكله من وقت الطفل خلال دوامها الطويل، بل تتعدى على الوقت الذي يقضيه بين أهله وأسرته، فتثقله بالواجبات التي يفترض به أن يحضرها لليوم التالي، وتجعل علاقته بأهله محكومة بنشاطه في التعلم والدراسة، ورضاهم عنه وسخطهم عليه محكوم بذاك النشاط.
وعلى هذا النحو تصبح الطفولة التي يفترض أن تكون الزمن الحرّ من حياة الإنسان الطويلة والمليئة بالمسؤوليات والمصاعب، مثقلة بأعباء التحضير لذاك المستقبل الثقيل بالمسؤولية. فهل يُعقل أن تحرم الطفولة حقها الطبيعي بالتمتع، على الأقل خلال العطلة الصيفية؟
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018