ارشيف من : 2005-2008
"الإعجاز الطبي في القرآن" لـ"مريم شمس":شفاء الجسم والروح
للإعجاز القرآني أوجه كثيرة ومتنوعة تُظهر مجتمعة عظمة الخالق جلّت قدرته، ومن هذه الأوجه ما يُعرف بالإعجاز الطبي، هذا الذي تناولته الباحثة الإيرانية في مضمار العلوم القرآنية مريم شمس في دراسة لها نقدية تحليلية بالفارسية بعنوان: "الإعجاز الطبي في القرآن" صدرت حديثاً بالعربية (تعريب الكاتبة زهراء يكانه) عن دار الهادي ـ بيروت.
في التعريف للموضوع المحوري الذي نحن بصدده هنا تُوضح هذه الدراسة أن الإعجاز الطبي هو "فرع من فروع الإعجاز العلمي مثلما يُصنف علم الطب ضمن قائمة فروع العلوم التجريبية، والمعنى من الإعجاز الطبي، هو شمول بعض آيات القرآن الكريم على موضوعات وإرشادات طبية لم يتوصل إليها أحد بشكل تجريبي في عهد نزول القرآن، وهو عصر سيادة ظلام الجهل والظلم، فمثل هذه النداءات القرآنية، وما أردفها به النبي (ص) وأهل بيته (ع) من تعليمات إسلامية، حثت المسلمين على اكتساب العلوم لا سيما الطبية منها".
وفي تحليل ودراسة نظرية الإعجاز الطبي في القرآن، النظرية التي هي ثمرة من ثمار الحضارة الإسلامية العظيمة، نتعرف هنا إلى دور الإرشادات القرآنية ذات الصلة في تقدم العلوم الطبية لدى المسلمين وأثرها الفاعل في حياة الشعوب الأخرى في هذا المضمار. ففي بداية أمرهم نجح علماء الطب المسلمون نجاحاً منقطع النظير عن غيرهم من الأقوام التي سبقتهم في هذا المجال، أي قبل الإسلام، لأنهم اعتمدوا الحقائق العلمية القرآنية بثباتها القائم على دلائل وبراهين داحضة، إذ لا يمكن على الإطلاق أن يرقى إليها شك ولا يحوطها وهم أو تخمين، فهي قاطعة في مضامينها وجوهرها. إذ إن الطب قبل ظهور الإسلام كان بشرياً محضاً، أي "تخيليّاً" في أغلب الأحيان، بينما تحوّل بنزول القرآن ـ كتاب الهداية والرحمة للعالمين ـ إلى طب إلهي، أي معطى دامغ بحقيقته ومفاعيله من لدن الله العليم الخبير، المكوِّن والمبدع، فهو سبحانه أدرى بمخلوقاته، لذا نرى أن الوحي ـ وكما يؤكد هذا الكتاب ـ هو منشأ صناعة الطب الحقيقي لأنه بمثابة حقيقة أزلية على مرّ العصور، ذلك لأن القرآن (الخطاب الإلهي المنقول على لسان الوحي) هو منشأ الطب الشرعي الذي هو "علم الحقيقة والبحث عن المجهول"، ذلك لأنه "يربط بين الطب والقانون والعدل". ومن هذا المنظور العلمي/ الديني أو الديني العلمي تتناول الباحثة هنا التفسير العلمي وفق ثوابت العلوم التجريبية لإثبات الإعجاز العلمي للقرآن، ومن ثم إعجازه الطبي، من خلال عرض آراء المؤيدين والمعارضين (قدماء ومحدثين) للتفسير العلمي للنص القرآني الشريف والمقدس، ونقدها وتحليلها.
إن من مقوّمات الإعجاز الطبي في القرآن اعتبار الآيات القرآنية معجزة ذاتية لأنها تتفاعل تلقائياً في علاج وشفاء الأمراض، وبما أن نوعية الشفاء بحسب نوعية العلاج، وبما أن العلاج القرآني استثنائي، فهو شفاء للروح والجسم معاً. وهذا بالضبط ما أقرته العلوم الطبية الحديثة لما صدع به القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 سنة. فآيات القرآن نفسه تعرّفه على وجه التحديد بأنه شفاء للناس.
إن من خلال دراستها لدلالة الآيات الشريفة على الإعجاز الطبي "بمنأىً عن الإفراط والتفريط" لاحظت الباحثة، ومن دون تفعيل رأيها الخاص في هذا المجال، أن من بين هذه الآيات ما هو أكثر انسجاماً مع مفهوم الإعجاز العلمي، إذ هي أقرب إليه كمفهوم شمولي من قربها إلى الإعجاز الطبي على وجه الخصوص.
لذا ترى الباحثة كاستنتاج أخير لهذه الدراسة وحسماً للجدل القائم بين المفسرين للآيات القرآنية الطبية "أن الأسلوب الأمثل حول نظرية الإعجاز الطبي للقرآن الكريم هو إطلاق اصطلاح أسرار وبدائع القرآن على هذه الآيات بدلاً من الإعجاز الطبي"، درءاً لانشغالنا بذلك عن الهدف الأساس للقرآن وهو هداية بني الإنسان وتنشئتهم، والأخذ بالحسبان بأن القرآن ليس دليلاً للعلوم المختلفة، بل ينطوي ـ أحياناً ـ وبشكل استطرادي وهامشي على إشارات علمية لا يهدف من ورائها تعليم العلوم، بل تمهيد السبيل لمعرفة الله والإقرار بوحدانيته، وتحقيق ذلك من خلال حثّ الناس على التفكير والتأمل في خلق السماوات والأرض.
أحمد ياسين
الانتقاد/ قراءة في كتاب ـ العدد 1119 ـ22 تموز/يوليو 2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018