ارشيف من : 2005-2008
نحو عطلة صيفية أفضل (2)
ينسى الأهل، وأمام حيرتهم إزاء كيفية ملء فراغ أطفالهم الدراسي الطويل الذي تخلقه العطلة الصيفية أن الحرية مطلب أساسي من مطالب النمو النفسي والاجتماعي، تهمله المدرسة في الغالب، وان استثمار العطلة في النشاطات الترفيهية غير الممنهجة هو أفضل التوظيفات المستقبلية لهذه المسافة القصيرة المتروكة للفراغ، من كل عام، فكيف يمكن توظيف العطلة الصيفية واستثمارها بأفضل صورة؟
إشراف عن بعد
بما أن العطلة الصيفية حق للطفل، فإن اطلاق حريته فيها يصبح أمراً طبيعياً وضرورياً، لكن ذلك طبعاً لا يمنع من إشراف الأهل على ذلك وإسهامهم فيه بشكل جدي، ولكن بشكل غير مباشر أو صارم، بحيث توجه تلك الحرية بالاتجاه السليم، فلا يترك الطفل في الزقاق طوال الوقت، كما يفعل بعض الآباء للتخلص من ضجيج أولادهم وشغبهم، لأن وجود الطفل في الشارع طوال الوقت مع أطفال سيّئي التربية قد يعرضه لالتقاط سلوكيات خطرة وغير مقبولة، كالتدخين والاعتداء على أملاك الآخرين وما الى ذلك من سلوكيات يشجعها الحضور الجماعي للأطفال الذي يمنحهم إحساساً خاطئاً بالقوة ويغريهم بالتعدي على قوانين الكبار حتى لو كانت تصبّ في مصلحتهم. وإن كان اتصال الطفل بأطفال الزقاق لا يعد سلبياً بالمطلق كونه يزود الطفل ببعض أشكال الخبرة الحقيقية في الحياة، ويشجعه على المغامرة، ولكن بشرط أن يبقى ذلك الاتصال محدوداً، وأن تحصين الطفل أخلاقياً قبله كافياً. وإذا كان إشراف الأهل على طريقة استغلال أولادهم للعطلة الصيفية ضرورياً، فإن ذلك يجب أن لا يتم بطريقة التقنين الضاغط الذي يماثل أسلوب المدرسة في التعليم والتربية، والا فقدت العطلة مبرر وجودها وفائدتها. وكي يتحقق ذلك لا بد من أن يبقى الآباء على مسافة من أولادهم في الوقت الذي يتيحون لهم فرصة التمتع بالحرية والانطلاق. فإذا أتاحوا لهم أن يلعبوا مع غيرهم لم يقطعوا لعبهم كل دقيقة بالأوامر والنواهي، بل فقط في حال أذوا أنفسهم أو ألحقوا الأذية بالآخرين.
حاجات مؤجلة
فاللعب حق طبيعي للطفل نادراً ما تؤمنه المدرسة، ومن واجب الآباء أن يهيئوا لأطفالهم فرصاً حقيقية للعب في العطلة الصيفية خصوصاً، وعليهم أن يعطوهم فرص الاتصال الحي بالطبيعة، وكلما كان ذلك الاتصال أطول كان ذلك أكثر فائدة لصحة الطفل النفسية، والطريقة المتاحة للاتصال بالطبيعة، بينما تحتاج تلك التي تسكن المدن الى بذل مقدار من الجهد لتحقيق ذلك. ولكنه جهد لا بد منه. لأن في اتصال الطفل بكل عناصر الطبيعة سماءً وشجراً وتراباً وحيوانات، إغناءً لتجربة الطفل العقلية حيث تلعب المثيرات الحسية دوراً مهما فيها.
اضافة الى تأمين احتكاك الطفل بالطبيعة، وتأمين فرص حقيقية للعب لا بد أيضاً من تأمين فرص اتصال الطفل بغيره من الأولاد ما أمكن، وهو ما لا يتأمن له خلال العام الدراسي بكامله الا في مدة ضيقة يومياً، وخلال الفرصة التي تعرف بفرصة الساعة العاشرة حيث يلعب الطفل مع زملائه، لكن في مساحة ضيقة وضمن ضوابط كثيرة يفرضها ضيق الملعب من جهة وكثرة التلاميذ الحاضرين فيه، ورقابة النظّار والمدرسين، ومحدودية أدوات ووسائل اللعب الممكنة. وهكذا تصبح حاجة الطفل الى اللعب والى الاتصال بأترابه حاجة مؤجلة تسعة أشهر كاملة، ومن الإجحاف ان لا تؤمن له العطلة الصيفية فرصة تعويض ذلك.
أما كيف يمكن للآباء أن يعطوا أبناءهم تلك الفرصة عملياً، فهذا أمر تحدده طبيعة ظروف كل منهم، ولكن في جميع الأحوال لا يجب التفريط بها، فعلى الرغم من البيوت الضيقة التي تعيش فيها غالبية الأسر في المدن خصوصاً، وعلى الرغم من عدم ميلهم جميعاً الى تحمل ضجيج أولادهم، فضلاً عن ضجيج أولاد الجيران أو الأقارب والاصدقاء، الا أن معرفة الأهل بضرورة اتصال الاولاد بعضهم ببعض، وتأمين فرص لعبهم المشترك، قد تسهم في جعلهم يعملون على ايجاد الفرصة الملائمة خارج ميدان المنازل والبيوت.
نشاطات ترفيهية
وإذا كان لا بد من عدم قطع صلة الطفل بالكتاب، وكان مجال اطلاق حريته الحركية غير متوافر، كان الكتاب الأفضل الذي يمكن الاعتماد عليه في ظرف كهذا، كتاب القصص الذي ينمي خيال الطفل ويساعد في تقوية صلته بالكتاب، وتعديل صورته في ذهنه من أداة معرفية جدية وجافة الى وسيلة ترفيه شيقة وممتعة، بحيث تصبح صلته بالكتاب صلة محببة لا صلة قسرية وضاغطة كما هي علاقته مع الكتاب المدرسي عموماً. بالاضافة الى الكتاب، وهو الوسيلة الأسهل، يمكن للأهل أن يساعدوا أولادهم على القيام بأي نشاط ترفيهي بشكل منفرد أو بإلحاقهم بنواد خاصة تعنى بذلك.. شرط أن لا يكون طابع تلك النشاطات تعليمياً بحتاً.
ومن تلك النشاطات التي تلقى قبولاً لدى الطفل وتنمي طاقاته التي غالباً ما تلتفت اليها المدرسة، النشاطات الفنية من رسم وموسيقى، والنشاطات الرياضية من ركض وسباحة وما الى ذلك.. وهي نشاطات يمكن للأهل أن يشرفوا بأنفسهم على تنميتها لدى الطفل دون اللجوء الى المدارس والنوادي إذا لم يكن ذلك بمقدورهم. والمهم في ذلك كله احترام حرية الطفل وإطلاق طاقاته من سجنها.
منى بليبل
الانتقاد/مقالات ثقافية ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018