ارشيف من : 2005-2008
أبناء الرسول في مصر:ثلاثة رؤوس وثلاث ثورات (2)
إعداد : صالح الورداني
احتضنت مصر ثلاثة من رؤوس أبناء الرسول (ص) نتجت عن ثلاث ثورات هي بمثابة علامات بارزة في تاريخ الاسلام..
الأول: رأس الإمام الحسين (ع)
الثاني: رأس زيد بن علي..
الثالث: رأس ابراهيم بن عبدالله بن الحسين المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي(ع)..
وترتيب وصول هذه الرؤوس الى مصر ليس حسب السياق التاريخي للأحداث التي أدت الى مصرع هذه الرموز وإنما وفق تواريخ أخرى سوف نبينها في ما يأتي.
كان رأس الشهيد زيد بن علي بن الحسين (ع) هو أول رأس يصل الى مصر كما أشارت المصادر التاريخية..
روت هذه المصادر أنه تم جز رأس زيد بعد مصرعه على يد جيش يوسف بن عمر والي الكوفة من قبل هشام بن عبد الملك، ثم طيف به بعد عرضه على الخليفة الأموي في دمشق لينتقل بعد ذلك الى مصر وينصب في المسجد الجامع ـ مسجد الفسطاط أو جامع عمرو بن العاص ـ وذلك في عام 122 هـ.
وتشير هذه المصادر الى أن المصريين سرقوا الرأس وأخفوه من موضع بالفسطاط قريب من مرقد السيدة زينب، ثم أعلن عن هذا المكان فيما بعد(1).
ولما جاء الفاطميون الى مصر أقاموا له مشهداً ومنذ ذلك الحين عرف بمرقد زين العابدين عند العامة يحتفل بذكراه كل عام، ونشأت من حوله مدافن ومساكن تحولت الى حي شعبي يقع بجوار حي السيدة زينب يسمى حي (زينهم).
رأس ابراهيم
شارك ابراهيم شقيقه محمد النفس الزكية من الثورة على أبي جعفر المنصور عام 145 هـ وقتل بعد شقيقه..
ويروى أن المنصور أرسل رأسه الى مصر فنصب في الجامع العتيق ـ جامع عمرو ـ أياماً ثم طيف به..
ويروى أيضاً أن أهل مصر أخذوا الرأس ودفنوه في موضع بعيد عن الفسطاط وهو موضعه الآن..(2)
الا ان الأرجح أن والي بني العباس هو الذي أمر بدفن الرأس في هذا الموضع خارج الفسطاط والذي يسمى الآن بحي المطرية، وذلك بهدف عزله عن المصريين وإبعادهم عنه، وخاصة أن آثار الثورة العلوية كانت لا تزال حية نابضة.
وكان أحد كبار الأمراء الاخشيديين ويدعى "تبر" قد أقام مسجداً أعلى مدفن الرأس، ثم اندثر وقام العامة ببناء زاوية مكانه عرفت فيما بعد بزاوية سيدي ابراهيم، وبداخلها ضريحه الذي يتوافد اليه العامة لزيارته..(3).
ولم يحصل مرقد ابراهيم على شهرة كبيرة كشهرة مرقد زيد بن علي، ربما بسبب موقعه البعيد المعزول عن بقية مراقد أبناء الرسول المتقاربة..
رأس الحسين
ويعد رأس الحسين (ع) هو آخر الرؤوس الثلاثة التي وصلت الى مصر في اليوم العاشر من جمادى الآخرة عام 548 هـ في عهد الخليفة الفائز الفاطمي من مدينة عسقلان بفلسطين، وأنزل بحديقة القصر الفاطمي ثم نقل الى قصر الزمرد وأقيمت له قبة في العام التالي..(4).
وكان الرأس الشريف قد طيف به من الأمصار حتى استقر في عسقلان حيث دفن هناك، ولما استولى الفرنجة عليها تقدم الصالح طلائع الوزير الفاطمي وفدا الرأس بثلاثين الف درهم ونقله الى القاهرة.
وقد اهتم حكام مصر من بعد الفاطميين بمرقد رأس الحسين، بداية من الأيوبيين الذين هدموا قصور الفاطميين وأقاموا من حول المرقد المدارس والتكايا، ونهاية بالخديوي اسماعيل حفيد محمد علي الألباني الذي هدم المدارس وما حول المرقد وأقام المسجد الحالي الكبير الذي تمت توسعته في عهد عبد الناصر ليصبح بصورته الحالية..(5).
ثم نشأ من حول المرقد الذي يعد في وسط القاهرة القديمة حي الحسين الشهير المكتظ بالناس ليل نهار من شتى بقاع الأرض، والمكتظ أيضاً بالزوار والوافدين من شتى أنحاء مصر..
لقد شكل الحسين (ع) رمزاً حياً ودائماً في نفوس المصريين يتغنون به ويعشقون ذكراه.
وعن الشبهات التي اثيرت حول وجود رأس الحسين في مصر نقل العقّاد قول بعضهم: مثل هذه الأشياء تؤخذ بحسن النية، فإذا كان صاحب المزار غير موجود فيه فالزيارة تحصل اليه أينما كان، وقد وردت أخبار عن رأس الحسين بأنه موجود فيه، فالزيارة تحصل اليه أينما كان، وقد وردت أخبار عن رأس الحسين بأنه موجود في ست مدن: المدينة، كربلاء، الرقة، دمشق، عسقلان، القاهرة، وهي تدخل في بلاد الحجاز والعراق والشام وبيت المقدس والديار المصرية، وتكاد تشتمل على مداخل العالم الاسلامي كله من وراء تلك الأقطار، فإن لم تكن هي الأماكن التي دفن فيها رأس الحسين، فهي الأماكن التي تُحيا بها ذكراه لا مراء. وقال: وللتاريخ اختلافات كثيرة نسميها بالاختلافات اللفظية او العرضية لأن نتيجتها الجوهرية سواء بين جميع الأقوال ـ ومنها الاختلاف على دفن رأس الحسين، فأياً كان الموضع الذي دفن به ذلك الرأس الشريف فهو في كل موضع أهل للتعظيم والتشريف، وإنما أصبح الحسين بكرامة الشهادة وكرامة البطولة وكرامة الأسرة النبوية معنى يحضره الرجل من صدره وهو قريب أو بعيد من قبره، وأن هذا المعنى لفي القاهرة وفي عسقلان وفي دمشق وفي الرقة وفي كربلاء وفي المدينة، وفي غير تلك الأماكن سواء..(6)
هوامش
1 - أنظر مساجد مصر وأولياؤها الصالحون للدكتورة سعاد ماهر، والشيعة في مصر وبدائع الزهور والنجوم الزاهرة وخطط المقريزي.
2 - المراجع السابقة.
3 - المراجع السابقة.
4 - المراجع السابقة.
5 ـ مساجد مصر.
6 ـ الحسين أبو الشهداء.
الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1119 ـ 22 تموز/يوليو2005
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018