ارشيف من : 2005-2008

عمليات تجميل بلا بوتوكس وسيلكون وتاتو:التراث بين أصابع المرممين

عمليات تجميل بلا بوتوكس وسيلكون وتاتو:التراث بين أصابع المرممين

الانتقاد/ تحقيقات ـ العدد 1122 ـ 12 آب/أغسطس 2005‏

في كل المجالات ثمة جنود مجهولون يعملون بصمت لإنجاح هذا المجال أو تحسين أدائه أو صيانته، وبالغالب يمرّ الزمن دون أن يلتفت لهم، لأن القاعدة السائدة هي تسليط الضوء على أولائك الذين في الواجهة فقط.‏

ومن الميادين التي تزخر بجهود الجنود المجهولين نذكر الفن البصري بشتى فروعه من الرسم الى النحت الى الخط والزخرفة والعمارة، ذلك أن عوامل الزمن وبصماته تترك أثرها على الحجر والمعدن واللون، ولا يستوي الأمر الا بمحترفين يدخلون هذه الأعمال الفنية العليلة الى غرف العمليات لإنجاز جراحة قد تنتهي بعد ساعة أو سنة أو أكثر.‏

أنف أبو الهول‏

أحياناً يتم انتشال آثار تاريخية من عرض البحر وقعره ويستلزم الأمر وقتاً طويلاً لتنظيف هذه الآثار من الطحالب والترسبات البحرية والأملاح، وفي أحيان أخرى يتم العثور على أدوات وتماثيل فنية تحت الأرض تكون قد تعرضت الى الكسر أو التلف جراء حدث جيولوجي مثل الزلازل والأعاصير والطوفانات...‏

منذ سنوات أجريت صيانة ضخمة لتمثال أبو الهول، فدعّم في مكان ورمّم في آخر، وقد أخذ العمل وقتاً طويلاً حُرم خلاله السياح من رؤيته كاملاً.‏

عودة أبو الهول الى شبابه تمت دون عمليات شد وجه أو حقن بالبوتوكس والسليكون، ولم تحتج شفاهه الى "تاتو"، ولم تجر له جراحة لتجميل الأنف، لأن أنفه مستأصل عن بكرة أبيه، علماً أن البعض يتهم نابوليون بكسر أنف أبو الهول من خلال ضربة مدفع؟!‏

برج بيزا‏

لقد ساهم المهندسون والمرممون في وقف حركة برج بيزا المائل الذي كان يزيد ميلانه سنة بعد أخرى، وبمعدل مليمترات قليلة قد لا تكون كذلك اذا ما قستها بعمر الشعوب والحضارات، لذلك أجريت عدة احتياطات لحماية هذا البرج الذي تحول الى رمز يعكس صورة ايطاليا كما الاهرامات في مصر وبرج ايفل في فرنسا. حتى تمثال الحرية في اميركا تعرض لعمليات ترميم كبرى وهو المصبوب في قوالب من البرونز، علماً أنه هدية فرنسا الى اميركا.‏

"مرممون بلا حدود"‏

قبل عشرين عاماً، انطلق خبير ترميم الآثار والتحف الفنية الفرنسي روبير بوغران دوبور، خلف حلم عولمة من نوع آخر، أكثر انسانية وواقعية هذه المرة، انطلاقاً من مبدأ البحث عن الآثار الوطنية، الخاصة بشعوب العالم، والعمل على ترميمها وإحيائها.‏

تضم منظمة "مرممون بلا حدود" مجموعة كبيرة من المختصين بعلوم الترميم، وهي تعمل ليكون لها حضور في دول عدة.‏

معابد بوذية‏

يقوم بوغران دوبور حالياً بإعداد لائحة بالمعابد التي تحتاج الى الترميم في تايلاند، علماً أن عمله يواجه معارضة من الكهنة البوذيين الذين يمتلكون تلك المعابد ويستعملونها، إلا أن دوبور مدعوماً بمنظمة اليونسكو يبذل مجهوداً كبيراً لإقناع رجال الدين البوذيين بالأهمية الثقافية لهذه الأماكن، وبضرورة حمايتها من بعض تآكلات الزمن.‏

تركيا والقاهرة‏

من خلال فرعيها في تسيكالونيكا وتركيا قامت منظمة "مرممون بلا حدود" بترميم الايقونات والجداريات القائمة في "الجبل المقدس"، علماً أنها أكبر مجموعة خاصة بالفن المسيحي في العالم، وقد واجه المشروع في فترة التسعينيات مشاكل في التمويل حلت بعد العثور على ممول.‏

كما قامت المنظمة بترميم قصرين اسلاميين في القاهرة، السيناري والهراوي، وهما من المباني المتميزة بالفسيفساء والخشب المزخرف النادر الطراز.‏

يذكر أن "مرممون بلا حدود" منظمة تطوعية غير ربحية.‏

تقنية الترميم‏

تدخل اللوحة الخاضعة للترميم الى المشغل وتخضع لفحص بأشعة إكس والأشعة فوق البنفسجية، كما يتم استخراج نماذج من ألوانها، للوقوف على طبيعتها وتركيبتها من خلال الفحص المجهري، بعد ذلك تُستخدم المعلومات لرسم ملامح واضحة هادفة للحفاظ على اللوحة، وأحياناً يتم الفحص بالليزر بغية تبين مواضع الشقوق والتركيبة الهيكلية الداخلية للقطعة.‏

طلاء فوق طلاء‏

أحياناً يكتشف المرممون أن اللوحة التي يشتغلون عليها قد تعرضت لعدة أنواع من الطلاء مع الوقت للحفاظ على بريقها ولمعانها، ما يجعلهم يدققون بمادة الطلاء الأصلي الأول ثم العلاج من خلاله.‏

ومن المفارقات التي تحضر في عالم الترميم نذكر أن ترميم أكثر الأعمال يحتاج الى أوقات مضاعفة نسبة للوقت الذي أنجزت به التحفة بشكلها الأولن وأيضاً لا يفوتنا أن نذكر أن الترميم وفي حالات استثنائية يؤدي الى تحطيم العمل التاريخي بدل تقويمه وتجميله..‏

عبد الحليم حمود‏

2006-10-30