ارشيف من : 2005-2008

تجليات إبداعية في "أوركسترا شمس الحرية" في قصر الأونيسكو:"همس" القضية

تجليات إبداعية في "أوركسترا شمس الحرية" في قصر الأونيسكو:"همس" القضية

الانتقاد/ تقرير ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول/ سبتمبر 2005‏

إنه موعد مع الـ"همس"، حيث يعبر الصوت دهاليز الصمت، وحيث تفتح عباءة الضوء لتخرج من لونها تدرجات الوميض.. هكذا كانت "أوركسترا شمس الحرية" في قاعة الأونيسكو في بيروت، اذ بدت الأذن على موعد مع إنشاديات وقصائد سيمفونية ومؤلفات أوكسترية تحية للإمام السيد موسى الصدر في ذكرى مرور 27 عاماً على تغييبه ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، بحضور فاعليات رسمية ودينية وثقافية مع جمهور غفير أنصت وتفاعل مع كل معزوفة ونشيد.‏

البرنامج‏

مع التلاوة القرآنية من القارىء أنور مهدي استُهل الحفل، ثم كان النشيد الوطني اللبناني، أتبعته الأوركسترا بنشيد حزب الله في توزيع موسيقي خاص.‏

قدم الحفل الشاعر والإعلامي أنور نجم، وكانت كلمات من ممثل وزير الثقافة الدكتور طارق متري المستشار فوزي عطوي. ثم تحدث مدير أوركسترا شمس الحرية محمد كوراني، الذي كشف منطلق تسمية "همس" من خلال استهلال كلمته بآية من سورة الرحمن "وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً".‏

الأوركسترا‏

المايسترو علي باجوق أمسك بمفاتيح الحركة والصوت، فمع ايماءة من يد تطل آلة، ومع حركة من أخرى تسكت آلة.. هكذا كأن مصائرها متعلقة بعصاه! كيف لا وهو ديكتاتور الأصوات، الأصوات التي انسدلت دافئة وشجية من رحم الآلات.‏

أوركسترا سيمفونية كلاسيكية بكل عناصرها وآلاتها الموسيقية وتوزيعاتها الهرمونية والكونتربوينتية عزفت مؤلفات لكل من زياد مراد وعلي م. الموسوي وفؤاد فاضل، الى مقطوعتين من أعمال عالمية، واحدة منفردة لآلة الفيولينة للمؤلف ريتشارد زيغرونغي، أداها منفرداً إيهاب عُباني، وأخرى "كواترو" للفيلوينة والساكسفون وآلتي كلارينيت من "بحيرة البجع" لتشايكوفسكي، أداها كل من إيهاب عباني وأحمد قنديل وعلي غدار ومازن أرزوني.‏

الأصوات‏

تمتع الكورس بحرفية عالية والتزام تام التقى مع الأسلوب الأوروبي بالدقة والإتقان، وافترق عنه بنكهة شرقية كانت تؤكد خصوصية الحدث والمكان والمناخ. أصوات قطفت بصمتها من السلة العاشورائية والسيرة الحسينية، من دون أن تخرج عن قواعد العمل، وكان التآلف واضحاً بين الصوت والكلمة التي يحملها، حيث فرضت القصائد إعرابها وحركاتها وسكونها.‏

الإنشاديات‏

بقلم عباس مظلوم كُتبت "إنشادية الجدار".. هذه الإنشادية التحية من القدس الى غزة، نسج موسيقاها ووزعها زياد مراد.‏

وبقلم حسين حمادة كُتبت "إنشادية الإمام الصدر"، التي ألف موسيقاها علي م. الموسوي.‏

أيضاً للشاعر عباس مظلوم كانت إنشادية الإمام الخميني، والموسيقى لعلي الموسوي.‏

أما مسك الختام فكان مع "قصيدة التحرير السيمفونية"، التي حملت شحنة متماسكة من الأداء والتعبير والتأليف، فكانت درّة التاج.‏

لعبة الضوء‏

على قناتي المنار والـ"N.B.N" كان النقل المباشر، بمعنى أن الجمهور كان أوسع من المعتاد بكثير، لذلك ثمة قيم بصرية جمالية لا بد من أن تفرض قوانينها على الحدث. لذلك كان للعين مكان في سيمفونية "همس"، فطريقة الوقوف وتوزيع العناصر والآلات ووقفة المايسترو، إضافة الى لعبة الضوء، أعطت للمناسبة صفة النضج والاختمار واكتمال الدائرة. شكل الضوء معزوفته الخاصة، فكان يسطع ويخفت مع تموجات الموسيقى.. كذلك كان يتبدل من الأصفر الى الأزرق فالأحمر والأبيض، ليولد انطباعاً حتمياً بأن هذه الموسيقى قد تجسدت لوحة تجريدية عميقة تخاطب اللاوعي العام للذوّاقة.‏

إبداع أيديولوجي‏

في "همس" ظهرت "أوركسترا شمس الحرية" بأفضل صورة وأحسن انطباع أرضى الجميع، بمن فيهم النقاد الذين استبقوا الحدث بالظن.. وهم معذورون في ذلك، ففي العادة لا يخرج عن الأعمال الأيديولوجية إبداع صرف، وهو ما فاجأ المتابع الذي لحظ التطور النوعي وخلاصة التراكم وعمق الثقافة الموسيقية المقدمة. فالبعض غير مطل على ساحة حزب الله، وغير مطلع على العناوين والأنشطة الإبداعية والفنية والاجتماعية وحتى الرياضية عند الحزب، وهي يومية ومتشعبة.‏

"همس" واجهة حضارية متقدمة تشي بمشاريع وإطلالات قريبة ترفع من درجة الإبداع، في ظل استباحة لثقافة الوجبات الموسيقية السريعة.‏

عبد الحليم حمود‏

2006-10-30