ارشيف من : 2005-2008
المجتمع الاسلامي بين الديمقراطية الغربية و المشروع السياسي الاسلامي
الانتقاد / مقالات ـ العدد 1125 ـ 2 أيلول/ سبتمبر 2005
بقلم : أبو الفضل صالحي نيا (*)
جاء انتصار الثورة الاسلامية في ايران بنظام سياسي جديد في إطار ديني فيما كان الظن السائد أنَّ لا علاقة للدين بالسياسة وبشؤون المجتمع. وكان التنافس السياسي والفكري منحصراً بين الشرق والغرب، بين الشيوعية والرأسمالية.
فالجمهورية الاسلامية كنظام سياسي هُندس في إيران على أساس نظام ولاية الفقيه لدحض مقولة فصل الدين عن السياسة، ولإعادة الاسلام الى المجتمع البشري المعاصر كمنظومة فكرية كاملة متكاملة تلبي حاجات الانسان المعاصر والمجتمع الانساني المتحضر.
إن نجاح الجمهورية الاسلامية الايرانية وحيوية نظامها السياسي من خلال تطبيق معايير الديمقراطية العصرية، قدّم نموذجاً حياً لنظام سياسي ديني معصرن قابل للتطبيق من قِبل المسلمين كلٌّ حسب خصوصيات بلده.
ومن هنا انطلقت حربٌ اعلامية شرسة من جانب وسائل الاعلام الغربية لتشويه صورة الجمهورية الاسلامية الايرانية و لتصوير النظام الاسلامي في ايران على أنه تجربة فاشلة غير قابلة للتطبيق، وانحصر التركيز في هذه الحرب على أساس النظام ومحوره المركزي المتمثل بولاية الفقيه.
ومن نافل القول ان الاعلام الغربي حاول أن يصور نظام ولاية الفقيه كنظام حاكمية الفرد و كنظام استبدادي يجمع الصلاحيات في شخص واحد هو
الولي الفقيه مطلق اليد، والذي لا قدرة فوق قدرته و يفعل ما يشاء.
كلّ هذه الهجمات الاعلامية الدعائية إذا دلّت على شيءٍ فإنما تدلّ على أهمية ولاية الفقيه وعلى صحة اختيار الشعب الايراني لنظامه السياسي، نظام ولاية الفقيه.
لقد كان الامام الخميني (ره) حينما طرح مشروع ولاية الفقيه من خلال دروسه العلمية سنة 1969، يؤكد دور الاستعمار والقوى الاستعمارية في ترويج فكرة انَّ الاسلام هو فقط للأحكام العبادية و الاخلاقيات ولا يتضمن نظاماً وقوانين لإدارة شؤون المجتمع، وكان يأسف سماحته لنجاح الاستعمار في مؤامراته هذه حتى في الحوزات العلمية الدينية و بين النخب الفكرية.
كان الامام الراحل يعتقد أن ولاية الفقيه هي من الأمور البديهية، فكل من عرف أحكام وعقائد الاسلام يقبل بولاية الفقيه مباشرة دونما حاجة الى الاستدلال. فلقد استند الامام الخميني خلال استعراضه الدلائل المثبتة لتأسيس النظام الاسلامي الى ماهية الاحكام الاسلامية التي شُرعت لتكوين الدولة ولإدارة شؤون المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث نرى انَّ الاحكام الشرعية تحتوي على القوانين المتنوعة التي تشكل نظاماً اجتماعياً كاملاً، و حيث ان تطبيقها والعمل به يتطلب تأسيس الحكومة. فمن كلامه في دروسه حول ولاية الفقيه: «الاستعمار أقنعنا أن ليس للاسلام حكومة، ليس للاسلام نظام حكم.. لو افترضنا أنَّ للإسلام أحكاماً ولكن ليس له منفذون لهذه الاحكام، او بكلام آخر أنَّ للإسلام دورا تشريعيا فمن البديهي ان هذه الدعايات هي جزء من مشاريع القوى الاستعمارية لمنع المسلمين من دخول السياسة والمشاركة في الحكم. هذا الكلام مخالف لمعتقداتنا الاساسية. التشريع ليس كافياً لإصلاح المجتمع، بل يحتاج الى القوة التنفيذية، ولأجل هذا جعل الله بمحاذاة الاحكام الشرعية او مجموعة القوانين المنزلة جهازاً تنفيذياً وحكومة ...».
كان الامام الراحل (ره) يقول: اذا تصوّر المسلمون بأنَّ الله أرسل الاسلام لهداية الانسان ولإصلاح المجتمع الانساني، يصدّقون دون شك أنه من الضروري تنفيذ ما شرعه الله وتطبيق أحكامه، وهذا يعني ضرورة اقامة الحكومة الاسلامية التي من البديهي أن يرأسها الولي الفقيه، يعني الذي يفقه الشرع ويقدر على ادارة المجتمع.. يقول الامام الخميني في هذا الصدد: «للحاكم شروط ضرورية نابعة عن طبيعة الحكومة الاسلامية، منها شروط عامة مثل العقل والتدبير، (ومنها شروط خاصة)، وهناك شرطان اساسيان:
1 ـ العلم بالقانون، لأنَّ الحكومة الاسلامية هي حكومة القانون، اذ من الضروري إلمام الحاكم بالقانون.
2 ـ العدالة، فالحاكم يجب أن يتمتع بالكمال العقيدي والاخلاقي والعدالة. ويجب أن يبتعد عن المعاصي، لأن مَن يطبق قانون الجزاء في الاسلام ويتصدّى لبيت المال ويدير اموال المجتمع، يجب أن لا يكون الآثم ...».
هذه الأفكار التي عرضها الامام الخميني سنة 1969 تم تثبيتها بعد انتصار الثورة الاسلامية في بنود دستور الجمهورية الاسلامية كي تشكل نواة قانونية لدستور أوّل حكومة إسلامية منذ تأسيس الانظمة السياسية الحديثة في التاريخ المعاصر. جاء في مقدمة دستور الجمهورية الاسلامية الايرانية: «... انَّ الدستور يضمن زوال كلّ نوع من انواع الدكتاتورية الفكرية
والاجتماعية والاحتكار الاقتصادي، وسيسعى للخلاص من النظام الاستبدادي ومنح الشعب حق تقرير مصيره بنفسه... وحيث إن بناء المجتمع يعتمد على المراكز والمؤسسات السياسية القائمة على التعاليم الاسلامية، فإنَّ الحكم وإدارة شؤون البلاد ينبغي أن تكون بيد الاشخاص الصالحين، ويجب ايضاً أن يتم التشريع في ضوء القرآن والسنة، حيث يبين هذا التشريع الاسس اللازمة لادارة المجتمع. وعليه فإنَّه من المحتم والضروري جداً الاشراف التام والدقيق عليه من قِبل علماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى والالتزام».
وتنص المادة الخامسة من الدستور: «في زمن غيبة الامام المهدي (عج) تكون ولاية الامر وإمامة الامة في الجمهورية الاسلامية الايرانية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الادارة والتدبير».
والمادة التاسعة بعد المئة من الدستور تحدّد الشروط الواجب توافرها في الولي الفقيه:
« 1 ـ الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مخلتف أبواب الفقه.
2 ـ العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الامة الاسلامية.
3 ـ الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية و الادارية والتدبير والشجاعة والقدرة الكافية للقيادة».
وفي الوقت نفسه تنص المادة السابعة بعد المئة: «يتساوى القائد مع كل افراد البلاد امام القانون».
في ضوء ما تقدم يمكن القول ان الشعب الايراني استطاع اقامة نظام سياسي اسلامي وفق معايير الديمقراطية المعاصرة، ما شكل خطراً على ما تروّج له الدول المستعمرة من مقولة عدم علاقة الاسلام بالسياسة والحكومة، وتزامن هذا الترويج بإطلاق الحرب الاعلامية واستعمال وسائل الاعلام للتأثير على الرأي العام العربي والاسلامي عن طريق تصوير النظام الاسلامي في ايران على اساس انه نظام حكم الفرد ونظام استبدادي بغطاء ديني. وبهذا استطاعوا إشغال الرأي العام العربي و الاسلامي بأمور فرعية. فضلاً عن ذلك كانت هناك قلة قليلة ممن اهتمَّ بدراسة الأسس التي تستند اليها مسألة ولاية الفقيه بموضوعية و علمية. فإذا ما نظرنا الى صلاحيات الولي الفقيه التي تنص عليها المادة العاشرة بعد المئة في الدستور الايراني نجدها مقيدة بالقانون، ومجلس الخبراء يشرف على اداء الولي الفقيه، حيث تنص المادة الحادية عشرة بعد المئة: «عند عجز القائد عن اداء وظائفه القانونية او فقده الشروط المذكورة في المادة الخامسة
والمادة التاسعة بعد المئة، او اذا عُلِمَ فقدانه بعضها ابتداءً، فإنه يُعزل عن منصبه، ويعود تشخيص هذا الامر الى مجلس الخبراء المشار اليه في المادة الثامنة بعد المئة ...».
على المسلمين ان يعودوا الى ذاتهم والى ما يملكون من القيم والمعايير المستقاة من الشريعة الاسلامية لتقرير مصيرهم بأنفسهم بما يناسب بيئتهم الدينية والثقافية. وبهذا يستطيعون تقديم نموذج لنظام سياسي اسلامي الى العالم وفق معاييرهم الخاصة المطابقة لمتطلبات العصر، والمسؤولية تقع على علماء المسلمين من كل مذهب وطائفة. وعلى النخب العلمية والثقافية في البلدان الاسلامية القيام بدارسة هذا المشروع من كل الجوانب للمساعدة على بلورة هذه الفكرة.
نحن مقبلون على ذكرى اسراء ومعراج النبي (ص) والمبعث النبوي الشريف الذي اختاره الله ليجيء بالاسلام هدايةً للناس كافة ولإصلاح المجتمع الانساني، وهذا لا يتم الا من خلال تزاوج التشريع و التطبيق في المنظومة الفكرية الاسلامية. وعلى هذا الاساس فإن الموضوع لا يخصّ الشيعة الإمامية فقط، بل يتعداه ليشمل المسلمين.. لينهض علماؤه و نخبه لدراسة الموضوع ولتقديم مشروع سياسي يتناسب ومسؤوليتهم أمام الله. هذا الامر تزداد اهميته في الظروف السياسية والثقافية الراهنة، خاصة في ظل التحديات الغربية المتمثلة بفرض الديمقراطية كنظام سياسي مستورد من الغرب الى الدول الاسلامية ودول المنطقة، وعلى ما يبدو فإن المسلمين منبهرون بها.
(*)مدير المركز الثقافي الايراني
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018