ارشيف من : 2005-2008
مؤنث الرواية ليسرى مقدم: المرأة مكتبة او كاتبة
الانتقاد / قراءة في كتاب ـ العدد 1121 ـ 5 آب/ أغسطس 2005
عبد المجيد زراقط
يتألف كتاب: "مؤنث الرواية، الذات الصورة الكتابة" ليسرى مقدم، من قسمين: أولهما يتضمن توصيفاً لكتابة المرأة عنوانه "شبهة الكتابة"، وثانيهما مقاربات لروايات منسوبة عنوانه: "مقاربات"، فالكتابة المقصودة في العنوان الثاني للكتاب، هي كتابة المرأة، والذات المقصودة هي ذاتها أيضاً، اذ ان القضية المركزية في الكتاب، كما تبدو لقارئه، هي المرأة غياباً وحضوراً وتحققاً ابداعياً في الفعل والكتابة. وهذا التحقق يعني أن لا تكون صورة الأنثى طائعة مملوكة تابعة من نحوٍ أول، وألا تكون صورة منكتبة وفاقاً لمعايير الخطاب السائد أو هو خطاب ذكوري، من نحو ثانٍ.
فالعلاقة بين مفردات العنوان الثاني للكتاب، وهي: الذات، الصورة، الكتابة، يمكن أن نصوغها كما يأتي: أن تمثل الكتابة/ كتابة المرأة ذاتها/ اختلافها وخصوصيتها، فتكون هذه الكتابة صورتها الحقيقية، بعيداً عن الانفعالية والاسترجال وتهويمات الأنا الثأرية.
إن صح هذا الفهم يكن العنوان الأول للكتاب، وهو "مؤنث الرواية" غير شامل لمختلف مسائل قضيته المركزية، اذ انه يشمل ما يخص الرواية فحسب، وليس ما تشمله الكتابة، علاوة على أن مؤنث الرواية قد لا يعني رواية المرأة الأنثى فحسب، وانما المؤنث الذي تضاف اليه الرواية، فالعنصر الأساس هو المؤنث وليس الرواية، فقد تتضمن رواية المرأة المذكر، كما قد تتضمن رواية الرجل المؤنث... ما يعني أن الفصل بين مؤنث ومذكر في الرواية، وفي الكتابة بعامة غير حقيقي الا اذا تحدثنا عن منظورين: رجولي ونسوي لكل منهما قيمة، وهذا ما لا يشير اليه الكتاب، وإن كان يتحدث عنه النقد النسوي الذي تتأثر الكاتبة بمنحى من مناحيه.
يقسم الكتاب الى قسمين كما قلنا، وفي صدد العلاقة بينهما، نرى أن القسم الأول كان يفترض أن يؤسس على نتائج القسم الثاني، فالمقاربة النصية، كما هو معروف، تفضي الى نتائج تتخذ أساساً للتوصيف وإصدار الأحكام، فالأحكام العامة التي تطلق في القسم الأول كان من أصول البحث العلمي أن تكون خلاصات توصلت اليها المقاربات النصية، لا أن تأتي أحكاماً عامة جداً، ومطلقة ومجردة من الشواهد المؤيدة لها، ومتعارضة، في كثير منها، وبعض الاستنتاجات في القسم الثاني.
ويبدو لي أن كثيراً منها يجد مرجعه في النقد النسوي، وهو نقد اعتمد على حركات تحرير المرأة التي طالبت بحقوق المرأة، وتعد "فرجينيا وولف" في انكلترا، وسيمون دي بوفوار في فرنسا، من رائدات حركة هذا النقد، فقد اتهمت "وولف" المجتمع الغربي بأنه مجتمع "أبوي" منع المرأة من تحقيق ذاتها، ورأت "دي بوفوار" ان هوية المرأة في هذا المجتمع تنبع دائماً من ارتباطها بالرجل، فتصبح موضوعاً يتصف بالسلبية، ويكون الرجل ذاتاً صفتها الهيمنة.
لم ينطلق هذا النقد من نظرية معينة، كما أنه لم يتبع منهجاً محدداً، وإنما تعددت وجهات النظر فيه وتنوعت، ولعل تأثر الكاتبة بهذا النقد وصدورها عنه، في القسم الأول، وليس عبر المقاربات، جعل أحكامها عامة وتتعارض، في كثير منها، وبعض الاستنتاجات في القسم الثاني، وفي ما يأتي نقدم بعض النماذج على سبيل المثال.
1 - جنسوية النقد: يثير الكتاب، منذ البداية، مسألة الرجل/ القارئ ونص المرأة، ما يستدعي الطرف الآخر من الثنائية، وهو المرأة/ القارئ ونص المرأة.
ترى الكاتبة ان الرجل القارئ يدخل في الغالب الأعم الى نص المرأة "للتلصص على عالم الأنثى، بوصفه القارة السوداء/ اللغز بحسب فرويد، ويروح أي الرجل القارئ، يتحرك بكلية حداسة الذكورية، يتحرى الأنوثة/ أفعالها، ويرى الى النص بوصفه كتابة امرأة لا تنفصل عن جسدها الذي يخشاه ويشتهيه في آن، ويسيء الظن بفنيته، ولا يصدمها ولا يفرق فيها بين واقع ومتخيل، فينسب الى الكتابة ما هو منسوب الى "امرأة النص"، كأن المرأة مخلوق من ورق، سواء داخل الكتابة أم خارجها، يسوِّد صفحاته بما شاء خلافاً لمشيئتها، ما يجعل كتابة المرأة من منظور الرجال عرضة للشبهة دوماً... ومن هذا الفهم للعلاقة التي تقررها الكاتبة بين الرجل/القارئ ونص المرأة، تضع عنواناً للقسم الأول من كتابها هو: "شبهة الكتابة".
في مقاربة لهذا الفهم نسأل: هل كان هذا الحكم العام المطلق وليد اطلاع على الغالب الأعم من مقاربات الرجل/ القارئ لنص المرأة، أو أنه وليد تصور لما يفترض أن تكون عليه هذه المقاربات؟ ثم هل الرجل وحده يبحث عن التجربة الشخصية في النص؟ وهل يقتصر البحث عن التجربة الشخصية في النص على نص المرأة.
2 - جنسوية الابداع: ترى الكاتبة أنه من الثابت زمنياً أن المرأة أتت الى الكتابة بعد الرجل، فامتلك هو سلطانها واعتلى عرش الكلام، وأذعنت هي لصورتها فيه، وكتبت في ما بعد ما تعلمته، وامتهنت لغة الظل المحكومة بالاتباع والطاعة، وتنسب الى بعض الكاتبات القول: ان المرأة منكتبة وليست كاتبة، حتى في ما تكتب، ما خلا محاولات استثنائية، وإن انكتابها شأنه ناقص لا يطال سوى ما تبيحه سلطة بطريركية تقمع المرأة وتهمشها، وتختزل دورها في الامتاع والانجاب.. ثم تقرر ان المرأة لا تبدع الا اذا خرجت من الظل، وأوجدت ذاتها في فضاء حر يتيح لها أن تتحقق في الفعل والكتابة.
نتوقف، في هذا الكلام، ازاء أمرين: أولهما شرط الابداع، فالمرأة لا يمكن أن تبدع إن كانت الظل ولم تكن الذات، هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن هذا المبدأ مبدأ عام، لا يخص المرأة وحدها، بل يخص الانسان بعامة بمعزل عن التصنيفات الكثيرة والمتنوعة أياً يكن المعيار فيها، ويضاف الى هذا الشرط شرط آخر هو الوعي والحرية، فالذات الحرة التي تعي حقيقتها هويتها وموقعها ودورها، هي الذات القادرة على الابداع أياً تكن امرأة أم رجلاً، وثانيهما، أن القول ان المرأة منكتبة وليست كاتبة اطلاق وتعميم لا يؤيدهما التاريخ ولا الواقع.
الكتاب: مؤنث الروايةـ الذات، الصورة، الكتابة
الكاتب: يسرى مقدم
الناشر: دار الجديد
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018