ارشيف من : 2005-2008
دور العقيلة زينب (ع) في موقعي العقل والوجدان
العدد 1114ـ 17 حزيران/يونيو 2005
يصادف الخامس من جمادى الاولى ذكرى ولادة عقيلة بني هاشم السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام، وهي بطلة كربلاء، ساهمت في التحضير للنهضة وفي أحداثها ومجرياتها وفي إبلاغ رسالتها وأهدافها للأجيال على امتداد العالم الاسلامي آنذاك، فما يجدر التوقف عنده في حياة السيدة زينب (ع) أنها بالرغم من سني عمرها التي ناهزت الستين، وبالرغم من كل الآلام والمآسي والصعوبات والتحديات التي واجهتها وكابدتها فإنها لم تتقاعد ولم تلقِ عن كاهلها عبء المسؤولية، ولم تتخلّ عن واجباتها في إكمال مسيرة أخيها الحسين عليه السلام، والتي بقيت بحاجة إلى الصوت المدوّي الذي يصدح في الآفاق والنواحي الإسلامية المختلفة ليبلغ كل مسلم أن الامام الحسين (ع) قام من أجل الحق وقيامة الإسلام ونبذ الباطل وإزهاقه ووأد فتنته وكسر شوكته، لكي لا تقضي على الإسلام مع اشتدادها وارتفاع أوارها، وهكذا تنقلت وسافرت وتواصلت مع أجيال المسلمين ومع مجتمعاتهم، لا سيما في بلاد الشام من أجل توضيح وتبليغ رسالة الدم والشهادة.
واللافت في مجموع الأدوار التي قامت بها السيدة زينب (ع) أنها لم تكن ذات طابع واحد منسجمٍ مع ما ارتكز في الأذهان حول الطبيعة الوجدانية لوظيفة العقيلة (ع) ودورها، صحيح أن البنية الأساسية للوظيفة بقيت متماهية مع الوجدان والعاطفة والمأساة والشكوى والتظلم والمعاناة والآلام، بحيث ان السيدة زينب (ع) من خلال السبي والوحدة والوحشة والأيتام والأرامل والمواقف القاسية والزفرات والدموع والظلامات والشكاوى وحمل الرؤوس أمامها، والشتم والسب والشماتة والضرب والعطش والتعب والسهر والوقوف بوجه يزيد، في كل ذلك كانت السيدة زينب (ع) محور المظلومية في عاشوراء ما ينبغي أن نبكيه ونتفجع له ونرثيه ونتوجع لأجله ونملأ الساحات بكاءً وصراخاً وعويلاً من أجله، بما يفتح القلوب على وقع الوجدان ليتيح للعقول ان تتدبر وتتفكر وتتعقل الحدث الجلل والنهضة العظمى التي قام بها الامام الحسين (ع)، والمتأمل بهذا الجانب المأساوي الذي جسدته زينب (ع) يرى انه من الصعب تحصيل نفس النتائج والآثار لولا هذا الحضور الفاعل والكبير للسيدة زينب (ع) في جانبه المأساوي التظلمي، فلو حصلت كل الوقائع الاليمة والفجيعة في عاشوراء ولم تكن السيدة زينب (ع) موجودة مع كل المشاهد التي رافقتها لكانت المأساة ضعيفة وحضور العاطفة كذلك بما يؤثر حكماً في المقدمة الضرورية لانبلاج صبح الفكر والعقل والتأمل في الحدث، لأجل ذلك ركز أئمتنا عليهم السلام في إحياء عاشوراء على الجانب المأساوي المتعلق بالسيدة زينب (ع) وتحديداً بموضوع السبي حتى نقل عن الامام المهدي (عج): "ان أشد مصائب كربلاء هولاً على قلبه هو سبي زينب (ع)".
لكن بالرغم من هذا الدور الوجداني الكبير الذي قامت به السيدة زينب (ع) في عاشوراء الا انها لم تقصر دورها في حدوده، بل مثلت دوراً عظيماً آخر تجسد في القيادة والادارة بعد شهادة أخيها الحسين (ع)، ففي مرحلة لم يكن فيها مصلحة لأن يبرز الامام السجاد (ع) كقائدٍ ظاهر لمسيرة السبي وما تلاها، فإن الذي قام بهذا هو زينب (ع) حيث هي التي قادت مسيرة السبي وأمرت الايتام والارامل، ووقفت في وجه يزيد وخاطبته وتعاطت مع قوافل الشامتين من أهل الكوفة ثم أهل الشام، وبالتالي كان لها دور العقل والقيادة ايضاً، فتكامل في حضورها دورا العقل والوجدان، وهذا ان دل على شيء فإنه يدل على طبيعة النظرة الاسلامية الأصيلة الى موقع المرأة في الحياة العامة، وفي الاحداث الكبرى والمشاريع الأساسية للدين، فإذا نظرنا الى عاشوراء من بداية الهجرة من المدينة الى ما بعد العاشر من محرم نجد ان حضور السيدة زينب (ع) كامرأة كان ضرورياً في كربلاء، ولولا هذا الحضور لكان الخلل قد أصاب ركيزة أساسية من ركائز النهضة الحسينية. فإذن حضور المرأة ليس ثانوياً في مثل تلك الأحداث الكبرى، ثم اذا تحولنا الى الادوار التي لعبتها فإنها اثناء النهضة وخلالها، كان لها دور المحرّض والداعم والمؤثر وجدانياً على الاصحاب والاقارب، وبعد عاشوراء بقليل كان لها دور القائد المدير في مرحلة السبي وما تلاها، ثم بعد ذلك تحولت لتصبح العنصر الوجداني الفاعل الذي بكى لأجله المحبون والموالون في كل عاشر من محرم، وأصبح شرارة اشتعال القلوب وتفجعها على المآسي التي حلت بالحوراء زينب (ع) في عاشوراء.
فبعد التأسيس على ضرورة حضور المرأة في القضايا الكبرى فإن هذا الحضور ليس وظيفة في اتجاه واحد، بل هي وظائف متعددة تتوزع بين الوجدان تارة والعقل تارة أخرى، وليس صحيحاً أن الدور الوحيد للمرأة في هكذا أحداث يقتصر على الوجدان، وان دور العقل والقيادة والإرشاد ينحصر في الرجال فقط.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018