ارشيف من : 2005-2008

الشيخ نجف علي ميرزائي لـ"العهد":المغالاة ليس حكراً على مذهب من المذاهب

الشيخ نجف علي ميرزائي لـ"العهد":المغالاة ليس حكراً على مذهب من المذاهب

العدد 1117 ـ 8 تموز/ يوليو 2005‏

شغل الشيخ نجف علي ميرزائي موقع رئيس المعهد العالي للدراسات الإسلامية بين 1997 و2003، ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إيران بين عامي 2003 و2005، وهو اليوم رئيس تحرير مجلة "الحياة الطيبة" المتخصصة في تجديد الاجتهاد الديني. له مساهمات فكرية في صحف عربية وأجنبية، وأكثر من عشرة كتب بالعربية والفارسية.‏

حول همومه التجديدية الاجتهادية في الفكر الديني، كان لنا معه هذا الحوار:‏

ـ مع نهاية القرن التاسع عشر برزت مجموعة من المفكرين والإصلاحيين الكبار أمثال الكواكبي ومحمد عبده والطهطاوي وغيرهم، والآن في بداية القرن الواحد والعشرين برزت مجموعات تكفيرية منهجها الغلو، لماذا شهدنا في الماضي تلك اللغة وذاك الانفتاح، والآن نشهد هذه المناخات التكفيرية؟‏

هذه الظواهر السلبية لا نوافقك الرأي على أنها جديدة ومتأخرة، وأنها ظهرت في الأعوام الماضية، وأن الفكر السلفي كان فكراً صائباً بعيداً عن هذه الخشونة أحياناً وهذا التشتت أحياناً أخرى.. فهذه الإشكاليات قد رافقت الفكر الديني الصحيح المعتدل والمتأصل منذ البدايات الى اليوم، غير أنها اختلفت في أحجامها ومستوياتها ومنطلقاتها. هناك فكر متشدد جداً قد ينشأ من جوّ "خوارجي" إذا صح التعبير، وهذا يعود الى قرون ماضية. والمنطلق الرئيسي في هذه الحركة ليس المنطلق السياسي، وإن كان للسياسة يد وضلوع. وهناك تجارب تطرف قد عششت داخل البلاط السياسي وداخل أجهزة الحكم الأموية والعباسية وأحياناً غيرها. وهذه الظواهر السلبية ليست حكراً على مذهب دون آخر، فهي منتشرة ومتوزعة بين كل المذاهب الى حد كبير، إلا أن الدواعي والمنطلقات ـ كما أسلفت ـ تختلف. إذاً ليس محسوماً الحديث عن ظهور وبروز حالات التطرف والتشدد الديني في هذا العصر، ولا يمكن حصرها فيه.‏

والنقطة الأخرى في هذا الموضوع الجديرة بالذكر، هي أن الخلط بين منطلقات هذه الظواهر السلبية يسبب الخلط في البدائل، ويسبب الاشتباه في الخروج من البدائل. فبدلاً من محاولة تخفيف جذور التشدد الفكري نقدم على أساليب خاطئة، ما يزيد من وجودها.‏

اليوم نشهد في العالم محاولة إرهابية بامتياز من أجل إسقاط بعض التشدد الذي قد يصح تسمية بعض حالاته بأنها ارهابية، توجد ممارسة ارهابية وعنيفة وخشنة تقضي على الحجر والبشر، وتدمر البلاد، وتحطم الخيرات، وتقلع الطبيعة في كل تجليات الخير فيها، وتبيح كل محرم، من أجل استئصال حالات تشدد ديني هنا وهناك. فهذه المحاولات التي ترمي الى اقتلاع التطرف جاءت خطأً في منهجها، وفي فهمها للجذور والمنطلقات، وفي تقديمها للبدائل للخروج من هذه الأزمات. وهي لا تزيد هذا الماء إلا بلاً وتطرفاً، ما يزيد التراكم والتشدد تشدداً اضافياً. لذلك نتحدث عن ضرورة فهم هذه الجذور، ثم محاولة الالتفاف على هذه الحالة من خلال انسجام المنهج البديل مع المنطلقات والجذور للإنشاء في هذه الظواهر السلبية.‏

ـ هل أنت ضد القمع واستعمال السلطة الحديدية في مواجهة تلك الظواهر؟‏

لست ضد هذه السلطة القمعية الحديدية، لأنني لا أريد إبداء موقفٍ لهذا أو ذاك. أقول إنه من الناحيتين السننية والعقلية مثل هذه المحاولات ستبوء بالفشل الذريع والشديد، ولن يجد صناع تلك القرارات السياسية النتيجة التي يبحثون عنها بواسطة هذه المحاولات.. وبصرف النظر عن الموافقة وعدمها فنحن ندين عمليات القتل والتحطيم، لأنه إذا كان الإرهاب الديني ذنباً فالإرهاب العسكري وتحطيم الشعوب وقتل الأطفال والنساء ذنب أشد وأخطر من الذنب الأول. نريد شرح كيفية الخروج من هذه الأزمات، وهنا يبقى التساؤل: هل الأيدي التي تشددت وتطرّفت في اقتلاع هذه الظواهر السلبية ـ التي نقبل بأنها سلبية ـ أيدٍ نزيهة وطاهرة وصادقة في بحثها عن جذور الإرهاب، أم هي أيدٍ آثمة، ومساهمة بقوة في زرع هذه الحالات السلبية داخل الجسد الإسلامي.‏

فليست جذور الظواهر السلبية كافة في عصرنا الحالي جذوراً تاريخية، فبعضها له جذور تاريخية وآخر له جذور عصرية. وفي هذه الظواهر السلبية العصرية ضلوع سياسي كما في الحالات التاريخية أيضاً، ضلوع السياسة القديمة تحت الغطاء الديني الإسلامي أحياناً، والسياسة الجديدة التي هي تحت الغطاء نفسه في بعض المناطق العربية والإسلامية وفي الغرب غير الإسلامي. فيجب أن تكتشف حقيقة وأسباب هذه الظواهر والحالات السلبية ثم نبحث عن الحل.‏

الأمر الآخر هو ضرورة الانتباه الى أن الظواهر السلبية وخاصة عندما تمتزج بالحالة الثقافية والدينية، تكتسب هالة من القداسة.. ما الذي يجعل الإنسان المذهبي الديني يقدم روحه في عملية غير شرعية أحياناً؟!‏

وهنا أمامنا مثلان في الظاهر قد لا يختلفان كثيراً، فالإنسان البسيط الساذج الذي لم يتقن عقيدته ولم يستطع التشخيص بين الحالات الصحية والحالات المرضية في الدين، فهذا الإنسان قد لا يميز بين الحال الاستشهادية والحال التي تبدو في ظاهرها استشهادية وفدائية دينية، ولكنها في عمقها تنتج عن فهم خاطئ. إن التاريخ الإسلامي يشهد لنا بأن هناك تيارات استغلت الفهم البسيط العام لقواعدها من أجل الدفاع عن بعض التوجهات الفكرية أو السياسية. واليوم نشهد الحالة السلبية نفسها، اذ يقوم مجاهد بعملية استشهادية ضد عدوٍ انتهك النواميس والأعراض والكرامات والبلد والتراب والإنسان وكل الخيرات، فتتمثل هذه الحالة الفدائية في العملية الاستشهادية التي يعتبرها أكبر البدائل والحلول للخروج من أعنف وأشد حالات التفرعن الإسلامي التي نشهدها هذا اليوم. وهناك حالة تبدو شبيهة بهذه الحالات، تجري على المدنيين وعلى من لا ذنب لهم في تكوين الظواهر السياسية السلبية هنا وهناك. فهم يبيحون الدماء الطاهرة والزكية غير المسؤولة عن زرع الاحتلال والعدو، وعن تعزيز الاعتداء على البلاد الإسلامية.. سبب هذه العمليات هو المذهبية والتطرف والتخلف الفكري في داخل هذه التيارات الدينية. وهذه الحالات الثانية هي أبعد شيء من الحالة الأولى الصحية، فالحالة الثانية فيها غلو وسوء فهم وفقدان المرجعيات الرشيدة، بينما يوجد خلف الحالة الأولى قرون من الفقهاء والعلماء وكبار الأمة الإسلامية، وهي حالة شاذة ومرضية يجب معالجتها.‏

ـ ألا تعتقد ان هذه الحركات وما خلفها من بعد تنظيري تكشف عن مناطق وبؤر سلبية أو عن عدم نجاح المشروع الفكري الإسلامي بشكل عام، أي إخفاق عملية التجديد في الخطاب والفكر الديني؟‏

لا نقول إن الحالة الغالبة على الفكر الديني هي حالة التجديد والانسجام مع العصر والعقلانية المطلقة السائدة على كل أبواب الفكر الديني وأمثال ذلك، ولا أدعي ذلك، بل أقول إن هناك حالات وأفكاراً ونظريات سلبية قد نجدها هنا وهناك في داخل هذه القواعد الفكرية الدينية الإسلامية وغيرها. ولا ننكر هذه الإشكاليات، إلا أن المشكلة لا تعود بالأصل الى أن الحركة المتطرفة والمتشددة بحثت عن التجديد ولم تجده إلا في خيمة الفتنة او تمزيق الصف الإسلامي وقتل المدنيين.. ولا نريد ان نربط بين هذه الظواهر السلبية من هذا الصنف واللون، ربطاً بعدم التجديد في الفكر الديني، لأن هؤلاء بالأصل عقليتهم تعارض التجديد، ويمكن تسميتها الى حد كبير بـ"العقلية السلفية". ولا أقصد هنا بالسلفية السنية فقط، بل كمذهب فكري نجده في داخل كل المذاهب بأحجامٍ مختلفة. فليست السلفية خاصة بمذهب دون آخر، وإن كانت هذه النزعة أقوى وأشد وأوسع في بعض المذاهب وأقل إطاراً في الأخرى. لكن هذه السلفية هي عقلية تقطع الطريق أمام أي تحديث وتجديد بسبب سوء فهم هذا المصطلح. فهم يتصورون ويتوهمون أنه عندما يطالب أحد المجددين أو المحدثين والمطالبين بعصرنة الفكر الديني، أن المقصود من هذا التغيير هو الثابت الديني.‏

ولكن المقصود هو العكس، أي عدم تثبيت المتحرك الاجتماعي وعدم محاولة إعطاء صفة الثبات للمتحرك أو بالعكس. فالثابت الديني يبقى ثابتاً لا يخضع للتغيير، لأن الدين كله ثابت. أما تطبيق هذه الثوابت في الدين في أجواء متحركة تقبل التغير والمرونة والتذبذب والتأرجح، فيكون تطبيق هذه الثوابت على هذه الأجواء المتحركة هو التطبيق الحكيم الداعي للتجديد.‏

حاوره: ح.ن‏

2006-10-30