ارشيف من : 2005-2008

قبس من كلام أمير المؤمنين(ع) في "الحج"

قبس من كلام أمير المؤمنين(ع) في "الحج"

الانتقاد/ العهد الثقافي ـ العدد 1140ـ 16/12/2005‏

ذكر الشريف الرضي هذا المقطع من كلام أمير المؤمنين علي(ع) في آخر الخطبة الأُولى من كتابه الشريف نهج البلاغة:‏

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلاَْنَامِ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الأنْعَامِ، وَيَأْلَهُونَ إلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ.‏

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ، وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ.‏

وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمّاعاً أَجَابُوا إلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلاَئِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ، يُحْرِزُونَ الاَْرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ.‏

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ لِلاْسْلاَمِ عَلَماً، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً.‏

فَرَضَ حَجَّهُ، وَأَوْجَبَ حَقَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: "وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا * وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ".‏

في رحاب كلامه(ع)‏

* قوله (ع): وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ.‏

الحرام، بمعنى المحرّم، فإنّ العرب كانت تحرّم فيه ما تستحلّ في غيره من القتل والقتال; وبمعنى الحرم ـ لكونه أمْناً لمن دخله ومانعاً له;‏

* قوله (ع): الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلاَْنَامِ.‏

جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ بيته الحرام الذي فرض حجّه قِبلةً للأنام، وهذا ممّا يزيد في شرف هذا البيت العظيم: بتوجّه المسلمين كافة أينما كانوا نحوه في صلواتهم وذبحهم وتوجيه أمواتهم، إلى غير ذلك ممّا يجب أو يستحب فيه استقبال القبلة، والقصد إليه لأداء مراسم الحج.‏

* قوله (ع): يَرِدُونَهُ وُرُودَ الاَْنْعَامِ.‏

وأكثر ما يستعمل ورود الأنعام على الماء، فكما ترد الأنعام بتلهّف وظمأ واشتياق وازدحام لشرب الماء ومدافعة بعضها بعضاً، يردُ الأنام بيت الله الحرام وهم على أشدّ الشوق والتلهّف لزيارة بيت ربّهم.‏

* قوله (ع): وَيَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ.‏

وتشبيهه (ع) ولوه الأنام بولوه الحمام فيه إشارة إلى شوق الخلق في كلّ عام إلى ورود البيت كما يشتاق إليه الحمام الذي يسكنه عند خروجه.‏

* قوله (ع): جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَواضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ.‏

ذلك أن من أطاعته نفسه لوجه الله ـ تعالى ـ في توقير شيء، ظاهره لا ينفع ولا يؤذي ولا يعلم ولا يشكر مثل الإقبال على حجر أصم بالتقبيل، وعلى مواطن خالية من حوادث الاطماع بالإجلال،‏

فهو إلى توقير مَن هو أعلى منه درجة من الأنبياء والملائكة أسرع.‏

* قوله (ع): وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ.‏

ذلك لأنّ أعمال الحج، لم يكن الباعث عليها إلاّ الأمر المجرّد وقصد امتثاله من حيث هو واجب الاتباع فقط، فمن فعل ما أمر به من إتيان بيت الله وأداء مناسك الحج، فهو المنقاد لعزّة الله.‏

* قوله (ع): وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ.‏

روي عن الإمام الصادق (ع): "لمّا أُمر إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ببناء البيت، وتمّ بناؤه، قعد إبراهيم على ركن ثمّ نادى: هلمّ الحجّ، فلو نادى: هلمّوا إلى الحج، لم يحجّ إلاّ من كان يومئذ إنسياً مخلوقاً، ولكنّه نادى: هلمّ الحج، فلبّى الناس في أصلاب الرجال: لبّيك داعي الله، لبّيك داعي الله عزّ وجلّ، فمن لبّى عشراً يحجّ عشراً، ومَن لبّى خمساً يحجّ خمساً، ومن لبّى أكثر من ذلك، فبعدد ذلك، ومَن لبّى واحداً حجّ واحداً، ومَن لم يلبّ لم يحجّ".‏

* قوله (ع): وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ.‏

إشارة إلى مطابقة أفعالهم، لما جاءت به الأنبياء من كلام الله سبحانه، وعدم مخالفتهم وتكذيبهم لهم.‏

* قوله (ع): وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ.‏

وإنّما شبّه مواقفهم بمواقف الأنبياء; لأنّ الأنبياء قد حجّوا بالبيت الحرام أيضاً، ووقفوا في تلك المواقف، فهي مواقف إبراهيم وإسماعيل وآدم والأنبياء ومحمد ـ صلوات الله عليهم ـ .‏

* قوله (ع): وَتَشَبَّهُوا بِمَلاَئِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ.‏

"الملائكة المطيفين بالعرش": هم الكروبيّون، وهم أشراف الملائكة وعظماؤهم.‏

والتشبّه بالملائكة من طريق الأفعال التي هي عبادة الله تعالى، والتنزّه عن الرفث والفسوق والجدال وقضاء الشهوات في الإحرام.‏

* قوله (ع): يُحْرِزُونَ الاَْرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ.‏

ومواقف الحج في مكة وحواليها متجر يحصل الإنسان فيها على الثواب; لأنها متجر العبادة والطاعة، لا المال والمادة.‏

* قوله (ع): وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ.‏

المبادرة: المسارعة والمسابقة،‏

وروي عن الإمام الرضا (ع): "إنّما أُمروا بالحجّ لعلّة الوفادة إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج الأموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات، شاخصاً في الحرّ والبرد، ثابتاً على ذلك دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلّل ...".‏

* قوله (ع): جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ لِلإسْلاَمِ عَلَماً. ومعناه فيما روي عن الإمام الصادق (ع): "لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة".‏

* قوله (ع): وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً.‏

"العائذين" جمع عائذ: وهو المستجير.‏

وقوله (ع): حرماً أي محلّ أمن وسلامة، حتى إنّ الولي للدم لا يتمكن من أن ينال المجرم بسوء وهو عائذ بالحرم، فمن دخل من الناس الحرم مستجيراً به فهو آمن، ومَن دخله من الوحش والطير كان آمناً من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم.‏

* قوله (ع): فَرَضَ حَجَّهُ.‏

فرض: أي أوجب.‏

* قوله (ع): وَأَوْجَبَ حَقَّهُ.‏

روي عن الإمام السجاد (ع): "وحقّ الحجّ: أن تعلم أنّه وفادة إلى ربّك، وفرار إليه من ذنوبك، وفيه قبول توبتك، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله تعالى عليك".‏

* قوله (ع): وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ.‏

* فَقَالَ سُبْحَانَهُ: "... وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا * وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ".‏

وقوله تعالى: "ومن كفر فإنّ الله غنيٌّ عن العالمين"، فجعل من لم يحجّ وهو مستطيع كافراً.‏

روي عن الإمام الكاظم (ع) حين سئل عن هذه الآية، وأن من لم يحجّ فقد كفر، فقال (ع): "لا، ولكن مَن قال: ليس هذا هكذا فقد كفر".‏

اسماعيل زلغوط‏

2006-10-30