ارشيف من : 2005-2008

مراتب الخشوع

مراتب الخشوع

الانتقاد/ نور الولاية ـ العدد 1139ـ 9/12/2005‏

يمتاز أهل العلم من أهل الإيمان، فليس كل من هو من أهل العلم هو من أهل للإيمان، فيلزم للسالك أن يدخل نفسه في سلك المؤمنين بعد سلوكه العلمي، ويوصل إلى قلبه عظمة الحق وجلاله وبهاءه وجماله جلّت عظمته، كي يخشع قلبه، وإلاّ فمجرد العلم لا يوجب خشوعاً كما ترونه في أنفسكم.. فإنكم مع كونكم معتقدين بالمبدأ والمعاد، ومع اعتقادكم بعظمة الله وجلاله، ليست قلوبكم خاشعة.‏

وأما قوله تعالى: "ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق"، فلعل المراد منه هو الإيمان الصوري، أي الإيمان بما جاء به النبي (ص)، وإلاّ فالإيمان الحقيقي يلازم مرتبة من الخشوع لا محالة.. أو أن المراد من الخشوع في هذه الآية هو الخشوع بمراتبه الكاملة. كما أن العالم ربما يطلق على من وصل من حد العلم إلى حد الإيمان. ويحتمل أن تكون الآية الشريفة: "إنما يخشى اللَّـهَ من عباده العلماءُ" إشارة إلى هؤلاء.‏

وقد أطلق العلم والإيمان والإسلام في الكتاب والسُّنة على المراتب المختلفة منها، وبيانها خارج عن وظيفة هذه الأوراق.. وبالجملة على السالك لطريق الآخرة وخصوصاً على السالك بالخطوة المعراجية الصلاتية، أن يحصّل الخشوع بنور العلم والإيمان، وأن يمكّن هذه الرقيقة الإلهية والبارقة الرحمانية في قلبه بمقدار ما يمكنه، فلعله يستطيع أن يحتفظ بهذه الحالة في جميع الصلاة من أولها إلى آخرها.‏

وحالة التمكّن والاستقرار وإن كانت لا تخلو في أول الأمر من صعوبة وإشكال لأمثالنا، ولكنها مع الممارسة والارتياض القلبي أمر ممكن جداً.‏

عزيزي، إن تحصيل الكمال وزاد الآخرة يستدعي طلباً وجدّاً، وكلما كان المطلوب أعظم فهو أحرى بالجدّ.‏

ومن الواضح أن معراج القرب إلى حضرة الألوهية ومقام جوار ربّ العزة، لا يتيسر مع هذه الرخوة والفتور والتسامح، فيلزمك القيام الرجولي حتى تصل إلى المطلوب.. وما دمت تؤمن بالآخرة وتعلم بأن النشأة الآخرة لا يمكن أن تقاس بهذه النشأة من حيث السعادة والكمال أو في جانب الشقاوة والوبال، لأن تلك النشأة عالم أبدي دائم لا موت فيه ولا فناء، وفيه من النعم ما لم يخطر على مخيِّلة أحد، وكذلك الأمر في جانب الشقاوة، فإن عذابها ونقمتها ووبالها ليس لها في هذا العالم مثيل ولا نظير، وتعلم أن طريق الوصول إلى السعادة إنما هو إطاعة رب العزة، وليس في العبادات ما يضاهي هذه الصلاة، فإنها معجون جامع إلهي يتكفل بسعادة البشر "إن قُبلت قُبلت جميع الأعمال"، فلا بدّ لك من الجدّ التام في طلبها، ولا تتضايق في السعي إليها ومن تحمل المشاق في سبيلها، مع أنه ليس مشقة.. بل إنك إذا واظبت عليها مدة يسيرة وحصل لقلبك الأنس بها، لتجدنَّ في هذا العالم من المناجاة مع الحق تعالى شأنه لذات لا يقاس بها لذّة من لذّات هذا العالم، كما يظهر ذلك من السير في أحوال أهل المناجاة مع الله سبحانه.‏

من كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده)‏

2006-10-30