ارشيف من : 2005-2008
الموت كوسيلة نجاة
الانتقاد/ نقطة حبر ـ العدد 1139ـ 9/12/2005
المتأمل في أحوال الناس من حوله، اهتماماتها ومتعلقاتها, مخاوفها وأحلامها، لا يمكنه إلا أن يشفق على جهودهم المضنية في سبيل تحقيق حاجاتهم غير المحدودة.
ثمة حاجات عند الإنسان لا تحدها حدود, كلما أغلق لها باباً انفتحت له من ثنايا أكمامها أبواب. الناس تتعب وتشقى وتكدح ويصيبها من جرّاء سعيها المحموم لتحقيق حاجاتها هموم ومنغصّات وأكدار.. تتناسل الأكدار وتتوالد جرّاء احتكاك الحاجات وتزاحمها.
وفي غمرة التدافع يأتي الموت.. يكون الموت واقفاً على قارعة الطريق ولا أحد يراه ـ ما أنجحه في التخفي ـ وبيده الخفيفة ينتشل الروح من زوايا الجسد كافة.
الرجل الذي انطفأت أزرار الحياة في جسده في ساعة من ساعات النهار، هو نفسه الذي كان يخطط في مساء الليلة الفائتة لشراء سيارة فارهة أو شقة مريحة، أو لإرسال ابنه الى الخارج ليتابع دراسته ويعود فيتزوج وينجب أولاداً ليعبث معهم ويلاعبهم، وليضيفوا إلى قاموسه كلمة "جدو".. لكن يد الموت كانت خاطفة، خطفته من بين أهله وأحبائه، ومن أعشاش أحلامه.
يد الموت ثقيلة، تفاجئ وتباغت ولا ترحم، إنها تشبه الموجة البحرية العاتية التي تطبق على ما لا تعلم من الأشياء والعناصر.
الموت ضيف ثقيل الوطأة، ولكن زيارته واجبة وغير متوقعة أحياناً، بل في أغلب الأحيان. في العراق مثلاً هو متوقع وغير متوقع في آن.. متوقع على مستوى الجماعة وغير متوقع على مستوى الفرد الغافي في حديقة الأحلام..
هل يمكن أن يكون الموت رحمة؟ طبعاً هو كذلك في الرؤية الإلهية الكلية الشاملة, ولكن هل يمكن أن يكون التفكير فيه والتأمل في كنهه مريحاً لهذا الإنسان اللاهث بما هو أكثر من الجدّية وراء أحلامه واحتياجاته المشروعة منها وغير المشروعة، الممدوحة منها والمذمومة.
مرة ثانية قطعاً هو كذلك، لأنه يجعلنا أقل اكتراثاً بالنتائج السلبية، وبما تخبئه لنا الأيام.
إنها لمفارقة مفارقة مضحكة ومبكية .
حسن نعيم
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018