ارشيف من : 2005-2008

هزيمة بلير و تداعياتها

هزيمة بلير و تداعياتها

كتب توفيق المديني‏

مني رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأسوأ هزيمة يتعرض لها حزب العمال الحاكم في الانتخابات المحلية منذ توليه المنصب، وتعالت الأصوات العمالية مطالبة بأن يعلن بلير صراحة موعداً لتنحيه عن السلطة، والاعتراف بأخطائه خاصة حرب العراق، لكنه عمد إلى اجراء تعديل وزاري ليؤكد أنه لا يزال يسيطر على الأمور وقدم بعض وزرائه كبش فداء.‏

وكان العمال قد خسروا أكثر من 200 مقعد و17 مجلساً محلياً، وهبط معدلهم بالنسبة لمجموع الأصوات إلى 20 في المائة فقط، بينما حقق حزب المحافظين انتصاراً باهراً حيث كان أكبر الفائزين في هذه الانتخابات، وبلغت نسبة النتيجة 40 في المائة بالنسبة لهم من مجموع المقاعد والمجالس المحلية، ولو تكررت هذه النتيجة في الانتخابات العامة فإن الحزب سيحقق الانتصار الذي ينتظره منذ عام ،1997 عندما لقي المحافظون اسوأ هزيمة في تاريخهم. أما حزب الأحرار الديمقراطيين فقد كانت النتيجة مخيبة جداً للآمال بالنسبة لزعمائه ولكنهم يعزون أنفسهم بأن خسائرهم أقل بكثير من العمال.‏

فضائح حزب العمال من أسباب الهزيمة‏

يجمع المحللون على أن الحزب الحاكم قد لقي عقاباً صارماً بعد مسلسل الفضائح الجنسية والإهمال والأخطاء التي وقع فيها وزراء بارزون في حكومة بلير . لقد انتاب حزب العمال البريطاني في الآونة الاخيرة العديد من الفضائح التي هزت بشدة صورته كحزب كبير امام الرأي العام البريطاني. ومن أهم آخر تلك الفضائح التي هزت الشارع البريطاني ما تم الكشف عنه من ان الحزب استمال رجال الاعمال للتبرع اليه خلال حملاته الانتخابية المختلفة بطرق غير مشروعة. واشارت المصادر إلى ان الحزب تلقى أموالا في صورة تبرعات وقروض من نحو 12 رجل اعمال بريطانيا بقيمة 14 مليون جنيه استرليني اتضح ان بعض هؤلاء رجال الاعمال تم ترشيحهم لتولي مقاعد في البرلمان. كما تم منح عدد منهم عددا من الالقاب النبيلة. وقد تم فتح تحقيق في الأمر للوقوف على المسؤول عن ذلك ومدى صحته ولا تزال لجان التحقيق تباشر عملها من دون الوصول بعد إلى المسؤول. ولم يخل الامر ايضا من تعرض عدد من الوزراء في حكومة بلير الحالية لاتهامات اجبرت عددا منهم على الاستقالة.‏

الفضيحة الثانية و تتعلق بنائب رئيس الوزراء ونائب زعيم حزب العمال بريسكوت "الروميو العجوز" (67 عاماً)، إذ جاءت الاعترافات المدمرة التي أدلت بها سكرتيرة بريسكوت السابقة تريسي تيمبل خلال حديث مطول لها مع صحيفة "ذي ميل أون صنداي" في صفحتها الأولى بالكامل ونشرت الصحيفة أيضاً مقتطفات من مذكراتها المدمرة لبريسكوت خصوصاً أنها كما تزعم كانت تقيم معه علاقات غير شرعية في مكتبه وفي الفنادق، وكانت تستقل سيارته الرسمية الحكومية في تنقلاتها خلال علاقتها معه لمدة عامين.‏

وأفردت الصحيفة تسع صفحات كاملة لاعترافات العشيقة تحت عنوان "مذكراتي عن بريسكوت" وأكدت ما ردده النواب المعارضون بأنه كان يلتقي معها أيضاً في مقره الرسمي في وسط لندن الذي يتحمل مصاريفه دافعوا الضرائب البريطانيون ويطالب خصومه بضرورة التحقيق معه في هذه المخالفات الكبيرة.‏

ولكن بريسكوت ندد في بيان له بالصحيفة التي يقال إنها دفعت مبلغاً يتراوح ما بين 250 ألف جنيه إلى 350 ألف جنيه للعشيقة السابقة وتعهد نائب رئيس الوزراء ونائب زعيم حزب العمال بأن يحيل الصحيفة إلى الهيئة التي تنظر في المخالفات الصحافية وهي "لجنة الشكاوى الصحافية".ويسعى بريسكوت إلى نفي المزاعم التي ساقتها السكرتيرة السابقة قائلاً إن معظم ذكرياتها غير صحيحة وكان دافعها وراء ذلك هو تحقيق أكبر كسب مادي ممكن وأصر على أنه لن يستقيل.‏

ولكنه يعترف أيضاً بأنه ارتكب أخطاء في إقامة مثل هذه العلاقة غير المشروعة مع سكرتيرته وأنه "تصرف بحماقة". وقد تكثفت الضغوط على بريسكوت مع مطالبة عدد كبير من الساسة المعارضين ومن النواب العماليين باستقالته.و هو ماحصل بالفعل .‏

الفضيحة الثالثة: و تتعلق بإخفاق وزير الداخلية شارلز كلارك في حماية المواطنين بعدما كان قد تم تحذيره في شهر آب/أغسطس الماضي بأن الإفراج عن المسجونين الأجانب من دون العمل على ترحيلهم خارج البلاد سيؤدي إلى ارتكابهم المزيد من الجرائم. وأوضحت الصحف البريطانية أن وزير الداخلية قد ضلل بلير الرأي العام بإعلانه أن عدداً قليلاً جداً من السجناء الأجانب قد تم الإفراج عنهم منذ آب/أغسطس الماضي، واتضح بعد ذلك عدم دقة هذا التصريح.‏

ومن الواضح أن الحياة السياسية في بريطانيا تسيطر عليها دائماً خيانات الوزراء للزوجات، وارتكاب الفضائح الغرامية، ولكن الأمر المثير للدهشة هذه المرة أنه إضافة الى ذلك فإن هناك أيضاً ما هو أخطر وهو الإهمال الشديد، وعدم الكفاءة والتخبط من جانب حكومة بلير، وهو أمر يعتبر غير مألوف. لذلك فإن المقال الافتتاحي لصحيفة "ذي صن"الشعبية المعروف عنها الولاء لبلير، جاء مثيراً بتحذيره من أن كل دقيقة تمضي مع استمرار بريسكوت وكلارك في منصبيهما يعتبر إهانة للشعب البريطاني. ويتردد في بريطانيا قول مأثور وهو أن الحياة السياسية للزعماء البريطانيين تنتهي دائماً بالإخفاق مهما كانت إنجازاتهم السابقة.‏

و الحال هذه، ينطبق على بلير إذ يبدو اليوم ضعيفاً ومصاباً بالوهن والتخبط، ، حيث وجه المقربون منه في حزب العمال- وهي مجموعة من النواب العماليين المتمردين على حكومته بعد العراق والأزمات الداخلية الأخرى للحكومة -إنذاراً إليه بأن يعلن إقالة كلارك وبريسكوت، والأهم من ذلك أن يحدد أيضاً موعد رحيله. وتضم هذه المجموعة وزراء معروف عنهم الولاء الكامل له. وتقول التقارير الصحافية إن هؤلاء الوزراء يخشون من أن استمرار بلير في رفض إعلان موعد رحيله، لن يؤدي إلى توفير الاستقرار اللازم للانتقال المناسب للحكم إلى براون- وقد جاءت هذه المطالبات لبلير بعد تكشف المزيد من الأسرار في القول إن الناخب البريطاني سيبدي المزيد من الاحترام لرئيس الوزراء إذا ما قام بما ينبغي عمله وهو فصل كلارك وبريسكوت.‏

وفيما تعالت الاصوات العمالية الغاضبة من الفضائح التي هزت الحزب، مطالبة بتنحي بلير، سارع هذا الأخير الى سن "الخناجر الطويلة"، كما فعل هارولد ماكميلان في الستينات، بإجراء تعديل وزاري واسع ليؤكد انه لا يزال يسيطر على الوضع. وضحى بلير بوزيرين رئيسيين، فأقال وزير الداخلية النافذ تشارلز كلارك صاحب الفضائح الجنسية، ونقل وزير الخارجية جاك سترو المتهم بعدم الكفاءة الى رئاسة كتلة نواب حزب العمال في مجلس العموم (البرلمان)، وعين مارجريت بيكيت وزيرة للخارجية كأول امرأة تتولى المنصب في تاريخ بريطانيا، وعين حليفه المقرب جون ريد وزير الدفاع في منصب وزير الداخلية وأبقى نائبه جون بريسكوت في منصبه لكن بعد نزع صلاحياته لضمان تأييد التيار اليساري في الحزب.‏

وأصبح جيف هون وزيرا للشؤون الأوروبية وديس براون وزيرا للدفاع وآلان جونسون للتربية، وديفيد ميليباند للبيئة ودوجلاس الكسندر للنقل وروث كيلي للشؤون المحلية، وقارن المعلقون بين هذا التغيير وذلك الذي أجراه رئيس الوزراء المحافظ هارولد ماكميلان في الستينات قبل 15 شهرا من استقالته، ووصفت تلك التغيرات آنئذ بعملية "ليلة الخناجر الطويلة".‏

واعتبر بعض النواب العماليين خطوة بلير التعديلية بمثابة مقامرة ستكون لها آثار عكسية في المستقبل، وعكف 80 نائبا عماليا على تدوين رسالة الى بلير تطالبه بتحديد موعد نهائي لتنحيه والاعتذار علنا عن أخطائه ، لاسيما في العراق.‏

وكانت أكثر المفاجآت في هذه التعديلات خروج جاك سترو من منصب وزير الخارجية، لاسيما أنه كان مرتبطاً بقرار غزو العراق الذي لا يزال يثير الجدل في بريطانيا وخارجها.‏

وللمرة الأولى تتولى سيدة منصب وزيرة الخارجية، وهي مرغريت بيكيث (63 عاماً) وكانت من قبل وزيرة لشؤون البيئة والزراعة ويبدو أن بلير أراد أن يكافئها على ولائها له لنحو عشرة أعوام.‏

وقد أصبح سترو وزيراً للشؤون البرلمانية وهو المنصب الذي كان سلفه الراحل روبن كوك قد تولاه إلى حين استقالته من الحكومة، تعبيراً عن احتجاجه على قرار غزو العراق. ويصف المعلقون هذا المنصب أنه يعتبر بمنزلة "إبعاد أو عقاب"، لا سيما بعد تولي منصب وزير الخارجية الذي يعتبر من أرفع المناصب الوزارية وأكثرها لمعاناً. ولكن احتفاظ جون بريسكوت بمنصب نائب رئيس الوزراء على الرغم من تجريده من معظم صلاحياته الوزارية كان متوقعاً لأن بلير يريد الحصول على دعم مستمر من الجناح اليساري التقليدي في حزب العمال.‏

2006-10-30