ارشيف من : 2005-2008
العرب وتفعيل المقاطعة الاقتصادية ضد الكيان الصهيوني ـ 19أيار/مايو 2006
كتب توفيق المديني
بدأ المؤتمر السادس والسبعون لضباط اتصال المكاتب الاقليمية لمقاطعة الكيان الصهيوني فعالياته في دمشق الثلاثاء 16 أيار/مايو 2006، بمشاركة وفود 14 دولة عربية وغياب اكثر من سبع دول، بهدف "تفعيل المقاطعة العربية في ظروف الهجمة العدوانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني اضافة الى المقاطعة التي فرضتها اسرائيل وبعض الدول الغربية على قيادته التي اختارها بنفسه في انتخابات حرة".وتحدث في الافتتاح الذي غابت عنه مصر والاردن وموريتانيا وعُمان وجيبوتي وجزر القمر والصومال، المفوض العام لمكتب المقاطعة محمد الطيب بوصلاعة مؤكدا "دعم المفوضية العامة لمقاطعة "اسرائيل" وتأييدها للحوار الوطني في لبنان الشقيق بما يعود على الشعب اللبناني بالامن والاستقرار والرخاء".
وكان النصف الثاني من القرن العشرين شهد توسعاً كبيراً في استخدام العقوبات الاقتصادية ضد دول اعتبرت خارجة عن معايير السلوك الدولي . وبرغم أن أهداف العقوبات الاقتصادية تعتبر من الأمور ذات المضمون السياسي , إلا أن قدرة الدولة على استخدام هذه العقوبات تخضع لقواعد التبادل الاقتصادي والتجاري وحساباته , فهي إحدى أدوات السياسة الاقتصادية الدولية . وتتراوح العقوبات الاقتصادية بين المقاطعة , ثم الحظر الاقتصادي , وصولاً إلى مرحلة القسر الاقتصادي .
ورغم أن بعض الدول العربية قد ظلت لفترة طويلة هدفاً لمجموعة من العقوبات الاقتصادية , أبرزها حملة العقوبات الأميركية ضد ليبيا والتي بدأت عام 1987حتى تم رفعها أخيراً في النصف الأول من عام 1999 , وأخيراً العقوبات الاقتصادية الدولية ضد العراق بسبب اجتياحه للكويت عام 1990, إلا أن ذلك لا ينفي قيام العالم العربي بفرض عدد من العقوبات الاقتصادية ضد الدول التي تساعد الكيان الصهيوني بإطلاقيه . فقد قامت جامعة الدول العربية بعد قيام حرب أكتوبر عام 1973 بفرض عقوبات اقتصادية أخذت شكل حظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة وهولندا , بسبب دعمهما للكيان الصهيوني . وحقق هذا الحظر بعض الأهداف , أبرز إحداث تحول جوهري في موقف أوروبا واليابان تجاه القضايا العربية بصفة عامة , والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص . ولكن لم تنجح هذه العقوبات في إحداث تغيير جوهري في موقف الولايات المتحدة تجاه الكيان الصهيوني .
ومن جديد يتم إحياء المقاطعة الاقتصادية العربية للكيان الصهيوني , وتفعيل دورها ومؤسساتها لإرغام" إسرائيل " على الانصياع لقرارات الشرعية الدولية . فقد عقد اجتماع في دمشق في نهاية شهر تموز الماضي ضم فريقاً من الفنيين والمختصين في شؤون المقاطعة العربية للكيان الصهيوني , وحضره أربع عشرة دولة عربية , وتغيب عنه سبع دول عربية مهمة تربطها علاقات دبلوماسية وتجارية مع الكيان الصهيوني . وكان الاجتماع قد انعقد بناءاً على قرار مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة رقم 202 تاريخ 28/3/2001 المتضمن العمل على تفعيل المقاطعة العربية ضد الكيان الصهيوني , ومقاومة التغلغل الصهيوني في العالم العربي من خلال البدء بإعادة تفعيل نشاط مكاتب الإتصال المختصة في الدول العربية للغرض المذكور وانتظام عقد مؤتمرات المقاطعة الدورية التي يدعو إليها المكتب الرئيس لمقاطعة الكيان الصهيوني , والبدء بإعادة تفعيل دور اللجان الاقتصادية المشتركة الموجودة في الخارج وتفعيل دورها في إعادة كشف عمليات تصدير البضائع إلى الدول العربية من خلال التأكد من صحة البيانات الواردة فيها .
وتأتي أهمية انعقاد اجتماع دمشق من كونه الاجتماع الثالث بعد انطلاق عملية السلام في مدريد قبل خمس عشر سنة , والتي حصد فيها العرب مزيداً من خيبات الأمل , في حين أن الكيان الصهيوني تمادى كل يوم بمزيد من العدوان وارتكاب المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني الصامد الذي أضحى يمثل مدرسة نضالية صلبة قوامها التضحية والفداء ونبراسها الشهادة أو النصر . فالكيان الصهيوني ينتقل كل يوم من استفزاز إلى استفزاز , ومن تحد للمشاعر والكرامة العربية والمقدسات إلى تحد آخر . فزرع المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة متواصل وبوتيرة عالية , وقتل الأطفال والشيوخ والنساء وتدمير الحياة في الأرض العربية , هو الآخر مستمر بل إنه في تصاعد . وحكومة أولمرت وعلى لسان قادتها تعلن صراحة أن لا للدولة الفلسطينية المستقلة , ولا للإنسحاب من الجولان , ولا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة , ومع تهويد القدس بالكامل .
وبالأمس القريب أوعز شارون لجيشه باقتحام المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة , وإطلاق الرصاص والغازات السامة على المصلين , دون أي اعتبار لمشاعر العرب والمسلمين , منطلقاً في هذا العمل الارهابي من نزعة عنصرية دفينة ومن حرص على تلبية رغبات حاخاماته وفي مقدمتهم مائير لاوو عوباديا يوسييف الذين دعوا إلى قتل العرب " الذين يتكاثرون كالنمل " , وكذلك حركة " أمناء الهيكل " الصهيونية الهادفة لتهويد الأماكن الإسلامية وتحويلها إلى " هياكل " للشر والقتل والتآمر على الوجودين العربي والإسلامي . ولا زالت حكومة أولمرت تخوض حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني من خلال سياسة الحصار الاقتصادي و التجويع ، وتقتل فيها كل يوم قيادات وكوادر المقاومة الفلسطينية والمزيد من الأبرياء المدنيين بقذائف الطائرات الحربية الحديثة والدبابات الأكثر حداثة .
هذا هو الجو العام الذي عقد فيه الاجتماع , حيث وضع الكيان الصهيوني المنطقة كلها على حافة الانفجار الشامل بسبب ممارساته الارهابية وقيامه بتدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني , وفرض الحصار وسياسة التجويع عليه , وتصفية قياداته الوطنية . وإذا كان العرب اليوم يعانون من العجز والتشرذم والضعف في مواجهة العدو الصهيوني , فإن المقاطعة الاقتصادية العربية هي أبسط الايمان حيال ما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم يومية .
ويتساءل المحللون الاستراتيجيون في المنطقة العربية عن المحددات التي تسمح بنجاح سلسلة معينة من العقوبات الاقتصادية ضد الكيان الصهيوني ؟ وهنا لا بد من توضيح بعض الأمور , منها :
1- إن استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية أثبت فعاليته كسلاح مؤثر على مدى عقود طويلة , حين يوضع هذا السلاح في خدمة القضايا القومية , وفي مقدمتها قضية استعادة الأراضي المحتلة والحقوق المغتصبة إلى أن يلتزم الكيان الصهيوني التزاماً كاملاً وقاطعاً بإعادة الأراضي وإزالة الاحتلال وتطبيق قرارات الأمم المتحدة , واحترام المواثيق الدولية واتفاقيات جنيف .
2- إن نجاح المقاطعة الاقتصادية في تحقيق المستهدف منها يعتبر دالة في درجة جماعية المقاطعة . وغني عن القول أن درجة إحكام المقاطعة الاقتصادية ترتبط بشكل وثيق بعدد الدول العربية المطبقة لها . فإذا قامت دولة عربية واحدة كسوريا مثلاً بفرض المقاطعة , تزايدت فرص التهرب منها والالتفاف عليها . وحين تتبنى معظم الدول العربية لهذه المقاطعة تكون احتمالات النجاح أعلى بكثير من احتمالات الفشل . ومما لا شك فيه أن نجاح المقاطعة الاقتصادية العربية ضد الكيان الصهيوني يتوقف إلى حد كبير على مدى شمولها من جانب الدول العربية , وعلى السياسات العربية المصاحبة التي تزيد من فعاليتها من ناحية أخرى .
وفي هذا السياق لا يوجد اجماع عربي بارز , في حالة تطبيق المقاطعة الاقتصادية ضد الكيان الصهيوني , بسبب تغيب سبع دول عربية عن اجتماع دمشق , فضلاً عن أن نجاح المقاطعة الاقتصادية وازدياد فعاليتها , يجب أن يكون مصحوباً بنوع من الحصار البحري والحظر الجوي , إضافة إلى استخدام الخيار العسكري الذي يستهدف ضرب البنية الأساسية في الكيان الصهيوني , الأمر الذي يعوق قدراته الانتاجية بشكل خطير , ويكون له أثره في تحقيق الهدف من فرض المقاطعة . واستخدام هذا الخيار العسكري ليس معناه شن الدول العربية حرباً على الكيان الصهيوني , وإنمامطاليتها بتقديم الدعم بكل أشكاله للإنتفاضة الفلسطينية الباسلة لكي تستمر في مواجهة العدو الصهيوني , وبالتالي استنزافه عسكرياً واقتصادياً , وتعميق أزماته الداخلية .
3- تعتبر سمعة ومصداقية الدول العربية الفارضة للمقاطعة الاقتصادية , من أبرز محددات نجاح هذه المقاطعة الاقتصادية . فالدول العربية التي أظهرت مصداقيتها من خلال تنفيذ ما هددت بالقيام به ضد الكيان الصهيوني في حرب 1973,أكسبها سمعة في المجتمع الدولي بشكل جعل الدول المساندة للكيان الصهيوني المستهدفة مستقبلاً , تأخذ هذه التهديدات مأخذ الجد . وتأتي المصداقية من قدرة الدول العربية على القيام بالعمل الجاد والمسؤول , فإذا كان التهديد لا يستند إلى قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية كان التهديد أجوفاً , ولم تحقق العقوبات الاقتصادية العربية ضد الكيان الصهيوني أهدافها بسبب افتقار الدول العربية إلى المصداقية في تنفيذ تهديداتها .
وفضلاً عن ذلك , فإن فعالية المقاطعة الاقتصادية العربية تقلل من فعاليتها بشكل كبير إذا كانت عدة دول عربية تعاني من أشكال التبعية التجارية والمالية والمعونات مع الغرب عامة والولايات المتحدة الأميركية خاصة , وإذا كان الكيان الصهيوني يمثل أهمية استراتيجية قصوى للولايات المتحدة الأميركية . فالحكومات الغربية الصديقة للكيان الصهيوني وفي مقدمتها الولايات المتحدة على استعداد لتقديم القروض والمنح والمساعدات للصهاينة , كما تعتبر هذه الدول الغربية معبراً للسلع الخاضعة للعقوبات إلى الكيان الصهيوني , سواءاً تصديراً أو استيراداً
إن نجاح المقاطعة الاقتصادية العربية ضد الكيان الصهيوني مرتبط أشد الارتباط بموقف عربي فعال وحازم من الولايات المتحدة الأميركية التي تمد الكيان الصهيوني بكل أساسيات القوة والبقاء والغطرسة , وبناء تضامن عربي فعال يترجم إلى فعل مضاد على الأرض , وإلى عمل ملموس ورادع يؤكد أن الأمة العربية بكل بلدانها لن تستكين للعدوان الصهيوني الغاشم , وأنها عاقدة العزم على استعادة أراضيها وحقوقها المسلوبة .
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018