ارشيف من : 2005-2008

معتقل الخيام 23 أيار 2000... وكان لا بد للقيد أن ينكسر

معتقل الخيام 23 أيار 2000... وكان لا بد للقيد أن ينكسر

تدخل إلى معتقل الخيام اليوم بعد ست سنوات على التحرير، ويبدأ شريط الأحداث أمامك... صور ومشاهد تتزاحم، كل صورة تريد لنفسها مكاناً في ذاكرتك لا يصدأ أبداً، علّ تلك الصورة تعيدك إلى حيث تنتمي إذا ما تهت يوماً.‏

يبدأ شريط الأحداث قاتماً بالأبيض والأسود ليتلون شيئاً فشيئاً مع اقترابك من العام 2000، يبدأ من سنة 1985 من بلدة الخيام حيث تحول المجمع العسكري الذي اقامه الفرنسيون أيام الانتداب إلى معتقل من معتقلات العدو الإسرائيلي الذي سلّم إدارته لعملائه اللحديين.‏

وما بين أوائل العام 1985 وأيار العام 2000، يتراءى لك أنك أمام مشهد دموي ووحشي واحد يعاد آلاف المرات بل مئات آلاف المرات، ما خلا بعض التفاصيل التي تكاد لا تذكر والتي ارتبطت بدخول الصليب الأحمر اللبناني إلى معتقل الخيام في‏

العام 90.‏

أكثر من عشرين عاماً من المعاناة والألم في زنازين معتقل "الخيام" تمرّ أمام عينيك في لحظات هي كافية لأن تختبر فقط بقدر صغير ما اختبره كل أسير ومعتقل كانت لمعتقل الخيام بصماته عليه، لأن ما عاشه أسرى هذا معتقل هم وحدهم فقط يعلمون ما مدى فظاعته وحجم قساوته.‏

التعذيب بالصدمات الكهربائية، الصلب على الأعمدة تحت أشعة الشمس الحارقة، رش الماء الساخن على المعتقلين في أيام الحر، والبارد في أيام البرد، زنازين إفرادية هي أشبه بـ"علب السردين"، اختبارات حيّة على المعتقلين يتحول معها هؤلاء إلى حقل تجارب لادوية وأمصال مصنعة داخل الكيان الصهيوني بغية التحقق من فعاليتها مما يعرض حياة المعتقلين للموت المحتم.... الخ من صنوف التعذيب الجسدي والنفسي.‏

وانت تستعرض هذه المشاهد أمامك التي تكاد لا تتحملها، تتوقف في عتمة المعتقل وظلم السجان، عند صبر وإرادة وعنفوان لدى الأسرى والمعتقلين الذين توالوا على هذا المعتقل والذين عرفوا يوم اختاروا المقاومة ومواجهة العدو الإسرائيلي أن‏

الاعتقال سواء في معتقل الخيام أو غيره من سجون الاحتلال الإسرائيلي هو احتمال قائم إلى جانب الاستشهاد. فما أحبطت سنوات الاعتقال عزائمهم وما أطفأت برودة الجدران حماستهم وصدأت قضبان الزنازين ولم يطل إرادتهم من ذلك الصدأ أي شيء.‏

يستمر شريط الأحداث ويقترب شيئاً فشيئاً من النهاية، أو بالأحرى من البداية أيضاً، إنه الثالث والعشرين من أيار عام 2000، وفيما كان الوطن يسارع إلى احتضان أجزائه التي تحررت الواحدة تلو الأخرى، حصل اجتياح بشري عارم لمعتقل الخيام الذي كان هرب منه سجانوه، راح الأهالي شباباً ونساء وأطفالاً وشيوخاً يهللون لتصدح حناجرهم بصيحات "الله أكبر" ولتصل أصداء تلك الصيحات إلى آذان من كانوا خلف تلك الجدران الباردة، ظن الأسرى أنه تجري عملية تصفية للمعتقلين وراحوا يترقبون ماذا سيحدث. وهنا تصل إلى الصورة التي تبهرك بألوانها، إلى حيث كسرت أغلال الزنزانات بأيادي الأهالي، إلى حيث اشتم أكثر من 144 أسيراً رائحة الحرية الممزوجة برائحة تراب الأراضي المحررة.‏

تظن ان ذلك كان المشهد الأخير، إلا أنك ما تلبث أن ترى سهماً، تذهب باتجاه السهم، لتجد نفسك في عتمة الزنازين مرة أخرى، ليس في معتقل الخيام الذي انتهى كابوسه إلى غير رجعة بل في معتقلات العدو الإسرائيلي أمام صورة سمير القنطار ونسيم نسر ويحي سكاف ورفاقهم، صورة تترك لها كل الصور الأخرى المكان لتتصدر الذاكرة كي لا نضل الطريق.‏

2006-10-30