ارشيف من : 2005-2008
أفغانستان و"المسار الديمقراطي "الملغوم
توفيق المديني ـ "الانتقاد.نت"
من الناحية التاريخية ، عرفت أفغانستان أول تجربة ليبرالية في عهد الملك أمان الله سنة 1919، إذ حاول إخراج البلاد من طورها التراثي الديني و التقليدي (فقرر إلغاء الحجاب مثلا) ما أثار حفيظة علماء الدين ورؤساء القبائل ، و هو ما أدى إلى إقصائه من الحكم بوساطة ثورة شعبية قادها ابن السقا (او حبيب الله) الذي حاول خلال ولايته إضفاء الصبغة الإسلامية على الحكم على نقيض سلفه الذي كان مؤمنا بالليبرالية. و كان أحد القادة السابقين للجيش الموالي للملك أمان الله نادر خان تمكن بمساعدة القبائل البشتونية و الإنكليز من دخول كابول و قتل ابن السقا.
أما التجربة الثانية مع الديمقراطية فقد كانت مع الملك ظاهر شاه الذي عين لجنة لوضع مسودة الدستور سنة 1964. و في أواخر تلك السنة وافق عليها اللويا جيرغا (مجلس الأعيان) الذي كان يضم مندوبين من جميع أنحاء البلاد.و كان الدستور هو الأساس الذي تمت عليه الإنتخابات البرلمانية الديمقراطية في السنتين 1965 و 1969.غير أن الإنقلاب الذي حصل في سنة 1973 أدى إلى تدهور الأوضاع السياسية الأفغانية ،عقب الإنقلاب الذي قاده الحزب الشيوعي الأفغاني بقيادة أمينه العام نور الدين طاراقي في نيسان/أبريل 1978.
بيد أن الشيوعيين أخفقوا في قيادة الشعب الأفغاني نحو تحقيق "الثورة الوطنية الديمقراطية"، فحصل إقتتالا عنيفا بين جناحي منظمتهم ، قاد إلى وصول جناح "بابراك كارمل" إلى السلطة بوساطة الغزو السوفياتي في نهاية سنة 1979. وعندما انسحب السوفيات في 15 شباط/فبراير 1989، لم يتحقق السلام في أفغانستان، بل اشتعلت نار الحرب الأهلية، حتى استولت حركة طالبان على كابول في 26 أيلول/سبتمبر 1996. ولم يدم حكم "الطالبان " سوى خمس سنوات ، إذ سقط حكمها بدوره بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان في تشرين الاول/أكتوبر 2001، تحت شعار الحرب على الإرهاب.
الآن ،السؤال الذي يطرحه المحللون، هل تتجه أفغانستان نحو بناء ديمقراطية سليمة؟
الأفغان يتابعون بمزيد من الإهتمام ما يجري داخل العراق، و ماحصل في سجن أبوغريب ، و ماجرى من تدنيس للقرآن الكريم في سجن غوانتنامو ، هذه المنطقة التي لا تخضع للقانون بصورة إطلاقية. و هم يقومون بمقاربات بين المعلومات المتسربة من سجون "الأفشور" ومختلف مراكز الإعتقال الأمريكية السرية المنتشرة في بلادهم. و يتساءلون كم هم عدد الأفغان المعتقلين في أفغانستان؟ وكم هم الذين عذبوا؟ كما أن الأفغان لا يمكن أن يصدقوا كلام وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس التي أعلنت أن الأولوية للولايات المتحدة الأمريكية و حليفها البريطاني هي مكافحة المخدرات في أفغانستان، في الوقت الذي تحولت فيه البلاد إلى دولة مخدرة فعليا. إذ إنه حسب إحصائيات الأمم المتحدة ، أنتجت أفغانستان 87% من الأفيون العالمي في سنة 2004، و المداخيل المتأتية من المخدرات تتجاوز بكثير المساعدات المقدمة من الدول المانحة للتنمية في البلاد، فضلا عن أن عددا كبيرا من رجال الدولة و أقاربهم ـ منهم الأخ الصغير للرئيس حامد قرضاي ـ هم متورطون مباشرة في تجارة المخدرات.
بعد ما يقارب أربع سنوات من سقوط نظام "طالبان "، و بينما تدخل أفغانستان مع الإنتخابات التي ستجري في 18 أيلول / سبتمبر الجاري ، في المرحلة الأخيرة من مسار إعادة البناء السياسي المقرر في إتفاقيات "بون" ، أصبح التشاؤم حول مستقبل البلاد هو الشعور الذي تتقاسمه معظم الفئات السياسية ميدانيا. فعلى الصعيد النظري ، تم إحترام الإتفاقيات الموقعة في بون في كانون الاول/ديسمبر 2001، كما أنه تم تجاوز مختلف مراحل تطبيقها. لكن على الأرض، لم تتغير أفغانستان. فهناك دستور، لكن لا أحدا يطبق بنوده ، وهناك أيضا قوانين ، لكن لا توجد مؤسسات دستورية حقيقية تسهر على إحترامها. أما المبادرات التي اتخذت بشأن تطبيق العدالة و تهميش مجرمي الحرب ، فهي تكاد تكون معدومة.
فقبل أسبوعين من موعد الإستحقاق الإنتخابي أصدرت اللجنة الأفغانية المستقلة لحقوق الإنسان ولجنة المساعدة للأمم المتحدة بأفغانستان ، في كابول تقويما ملطفاعلى الأقل بشأن الحقوق السياسية ل12 مليون افغاني مسجلين في الإنتخابات التشريعية و المحلية.للوهلة الأولى –يشكل عدد المرشحين 5805 منهم 583 إمرأة – عاملا إيجابيا للفائدة المرجوة من هذه المرحلة من التطبيع السياسي. بيد أن الماضي السيىء لعدد من المرشحين يجعل هذا الإستحقاق الإنتخابي ملغوما.إذ إن مسار الفيتو الذي كان من المفروض نظريا أن يطبق لإقصاء أمراء الحرب ، والمجرمين او المهربين، لم يصمد أمام الزبائنية السياسية السائدة في كابول. وتتلخص الطبقة السياسية الحاكمة بالأفغان القادمين من الخارج ، الذين يبحثون عن مراكمة الأموال بطرق غير مشروعة، وإلى الحرس القديم من المجاهدين الذي دخل اللعبة الديمقراطية من أجل إستمرار البقاء في السلطة بفضل شراء الأصوات، أو الإستفزاز، أو الإثنين معا.
لقد كانت نتائج مسار الفيتو للمرشحين مخيبة للامال، بسبب أن الغالبية العظمى من المقصيين المؤقتين تمت إعادة الإعتبار لهم، الأمر الذي قاد إلى الخيبة مجددا. ففي وهلة أولى كان أكثر من 1000 مرشح لهم علاقات مع مجموعات مسلحةكانت موضوعة على لائحة الإقصاء، و بسرعة فائقة، خفضت هذه القائمة إلى 208 إسم تحت ضغط السلطات.
وفي النهاية، لم تقص لقائمة سوى 17 شخص .
ويكمن المشكل في أن هؤلاء المرشحين يمتلكون المال، والمساندات الزبائنية، إضافة إلى السلاح ، و يتمتعون بحظوظ كبيرة لكي ينجحوا في الإنتخابات المقبلة.و إذا كان 4% فقط من المرشحين يشكلون تهديدا فعليا، فإن هذا يمثل على الأقل أكثر من 200 شخص لهم الحظوظ الكبيرة لكي يفوزوا بمقاعد البرلمان المتكون من 249 مقعدا. وعلى الرغم أن الحملة الإنتخابية بدأت فعليا يوم 17 آب/أغسطس الماضي ، إلا أن السمة الأساسية لهذه الإنتخابات تتمثل بانعدام الأمن في الولايات الأفغانية الذي يحد من حرية الحركة للمرشحين. وهاهي حركة "الطالبان" تعاود من جديد خوض حرب عصابات مسلحة ضد القوات الأميركية في شرق و جنوب شرق أفغانستان ، كما أنها تستهدف أيضا مهاجمة مرشحي الدولة.
وهذا ما يجعل سيرورة دمقرطة أفغانستان ملغومة بالزبائنية . وإ ذا كان في الوقت الحاضر لا أحد يشك بإجراء الإنتخابات، إلا أنها سوف لن تكون ممثلة فعليا لإرادة التغيير لدى الشعب الأفغاني. ولا شك أن هذا الأمل المهدور من التغيير السياسي يغذي غضبا متزايدا .
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018